الأنباء بوست/ حسن المولوع
في ظل الوضع الراهن الذي تشهد فيه الساحة الإعلامية هيمنة شبه مطلقة لحيتان الإعلام، المدعومين من الوزير المكلف بقطاع الاتصال المهدي بنسعيد، والذي يروّج لسياسات ظاهرها إصلاح وديمقراطية، إلا أن جوهرها يعكس نزعات استبدادية، نجد أمثال عبد الله البقالي ويونس مجاهد يبذلان كل جهد للهيمنة والسيطرة على مؤسسة التنظيم الذاتي المتمثلة في المجلس الوطني للصحافة. فمن خلال هذه المؤسسة، يمارسان الاستبداد والسلطوية تحت غطاء القانون الذي صيغ على مقاس الهيمنة، وأحيانًا يتم خرقه أمام أنظار حُماته.
لم يعد تنظيم قطاع الصحافة شغلهما الشاغل عبر احترام ميثاق أخلاقيات المهنة أو اعتماد الشواهد الأكاديمية، بل أصبح هدفهما البحث عن وسائل لإقصاء المقاولات الصحافية الصغرى لصالح الحيتان الكبرى، عبر فرض شروط لا علاقة لها ببطاقة الصحافة، مثل أداء واجبات الضمان الاجتماعي والضرائب. فكيف لمقاولة صغيرة، محرومة من الدعم العمومي، أن تُطالب بأداء هذه الالتزامات، في حين أن هذه الأموال تعود في النهاية إلى المؤسسات الكبرى التي تستفيد أصلًا من دعم ضخم؟ أليس هذا استبدادًا صارخًا؟ والمؤسف أن كل هذا يحدث تحت أعين حُماة القانون والدستور، الذي تُنتهك حرمته من خلال خرق مبدأ التعددية.
هذا الثنائي المثير للجدل، الذي تجاوز سن التقاعد، تحالف مع حيتان الإعلام لضمان بقائهما في مواقعهما، مقابل استهداف الصحافيين الجادين وإقصائهم، لضمان عدم منافسة الحيتان بالنزاهة والمصداقية. وكل ذلك يتم بمباركة الوزير بنسعيد، الذي يُمرر هذه السياسات باسم الديمقراطية.
في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري لا يمكن التغاضي عنه: أي صحافة يريدها الملك محمد السادس؟
لا يخفى أن برقيات التعزية التي يوجهها الملك محمد السادس لعائلات الصحافيين الراحلين تحمل رسائل واضحة عن نموذج الصحافة الذي يتطلع إليه. فعندما توفي الصحافي الكبير خالد الجامعي، وصفه الملك بأنه كان نموذجًا للمثقف الملتزم الذي خدم وطنه بإخلاص وجرأة نادرة، مشيدًا بما قدمه من أعمال “جليلة” لصالح القضايا الوطنية. فالأستاذ خالد الجامعي، رحمه الله، الذي عُرف بأنه عميد الصحافيين المغاربة، لم يكن مجرد صحافي، بل كان قامة فكرية وإعلامية كبيرة، وقلماً صادقًا لم يتبدل ولم يخضع، وظل يدافع عن قضايا حرية التعبير وعن معتقلي الرأي والصحافة بجرأة ووضوح.
القيم التي كان يتحلى بها الأستاذ خالد الجامعي والتي تعد مرجعًا للصحافيين، جاءت في برقية التعزية الملكية بجلاء، حيث وصفه الملك بأنه مناضل مثقف ملتزم، مشهود له بالنزاهة الأخلاقية والالتزام بالمبادئ والموضوعية العالية، سواء في كتاباته أو مواقفه السياسية. فهذه العبارات وحدها كفيلة برسم صورة الصحافة التي يطمح الملك لرؤيتها في المغرب وهي صحافة مسؤولة، جريئة، ومخلصة للوطن.
الرسائل الملكية لم تتوقف عند الأستاذ خالد الجامعي، بل شملت أعلامًا أخرى في الصحافة المغربية. فعند وفاة الصحافي المقتدر الأستاذ مصطفى العلوي، الذي يُعد أحد رموز الصحافة الوطنية، حظي بتقدير ملكي خاص. إذ وصفه الملك بأنه نموذج للصحافي المقتدر، المشهود له بالكفاءة المهنية والغيرة الوطنية. فمسيرة العلوي، التي امتدت لعقود، كانت مليئة بالعمل الصحافي المسؤول الذي لم ينفصل عن قضايا الوطن والمجتمع.
من خلال برقيته، أكّد الملك أن مصطفى العلوي، الذي وُصف بأنه “قيدوم الصحافة الوطنية المكتوبة”، كان مثالًا للصحافة المهنية النزيهة، التي ترتكز على الالتزام بثوابت الأمة ومقدساتها.
ومن بين هذه الأسماء اللامعة، برز أيضًا الأستاذ خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، الذي وصفه الملك في برقيته بأنه كاتب وصحافي مقتدر. إذ أن إشادة الملك بالهاشمي لم تقتصر على إنجازاته المهنية فقط، بل امتدت إلى خصاله الإنسانية ونزاهته الأخلاقية والتزامه الكبير. فالملك أكّد أن الهاشمي كان نموذجًا للصحافي الذي يجمع بين المهنية العالية والتفاني لخدمة الإعلام الوطني، من خلال تطوير قطاع الصحافة ليواكب المتغيرات الوطنية والدولية.
بين هذه الرؤية الملكية المتكررة والصورة التي يقدمها الواقع الإعلامي المغربي، توجد فجوة عميقة. في المشهد الحالي الذي يهيمن فيه إعلاميون ونقابيون حولوا الصحافة إلى وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الوطن والمصلحة العامة. فأمثال عبد الله البقالي ويونس مجاهد يمثلان نموذجًا صارخًا للريع الإعلامي، حيث باتت النقابات أداة لشنّ الحملات ضد الصحافيين الشرفاء ومحاولة تكميم الأفواه التي تنادي بالحرية والمهنية. فمثل هؤلاء لا يعكسان تطلعات الملك ولا الشعب، بل يكرّسان واقعًا إعلاميًا بائسًا يستمر في تغذية المصالح الضيقة على حساب الرسالة السامية للصحافة.
إذا عدنا إلى بداية حكم الملك محمد السادس، نجد أن غياب صحافة مسؤولة ومستقلة كان مؤشّرًا واضحًا على ضعف البنية الإعلامية المغربية. ففي الوقت الذي كانت فيه الصحافة مطالبة بأن تكون وسيطًا حقيقيًا بين المجتمع والسلطة، فشلت في أداء دورها، وغرقت في الفساد والريع. ولو كانت هناك صحافة حرة ونزيهة، لكانت قادرة على نقل تطلعات الشعب وهمومه، وفتح نقاشات بنّاءة مع الملك، تسهم في تعزيز الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون.
اليوم، المهدي بنسعيد، بصفته المسؤول الأول عن قطاع الإعلام عبر رسم معالم السياسة الاعلامية بالبلاد ، يقف أمام لحظة مفصلية. فتجاهله للإشارات الملكية التي تنادي بصحافة جريئة ومستقلة، واستمراره في دعم السياسات التي تضرب في الصميم قيم المهنية والديمقراطية، لن يؤدي سوى إلى المزيد من التدهور في قطاع الإعلام. فالملك محمد السادس أعرب، بوضوح، عن تطلعاته لرؤية إعلام يرفع من شأن الوطن ويعكس قيم الحرية والاستقلالية، بعيدًا عن الممارسات التي تكرّس الفساد والهيمنة.
لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية دون صحافة مسؤولة ومستقلة. لأن الصحافة ليست مجرد وظيفة؛ إنها رسالة سامية تتطلب النزاهة والشجاعة والالتزام بقضايا الوطن والمواطن. فالصحافيون الشرفاء الذين غادروا دنيانا، أمثال خالد الجامعي، مولاي مصطفى العلوي، وخليل الهاشمي الإدريسي، هم النموذج الذي يجب أن يُحتذى به. أما الذين ينحنون أمام الفساد ويبيعون ضمائرهم، فهم العائق الأكبر أمام تحقيق رؤية ملكية لصحافة تُعلي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
شارك هذا المحتوى