
الأنباء بوست / حسن المولوع
ما إن أطلّ علينا خبر الرسالة الملكية التي دعت إلى إلغاء نحر أضحية العيد لهذه السنة استثناءً، حتى تنفّس أهل المدينة وفقراء هذا البلد الصعداء.
لقد كانت هذه الدعوة الملكية بمثابة صدمة كهربائية في جسد ميت، واعترافا صريحا بأن البلاد ليست بخير، وأن التضخم لم يعد مجرد أرقام تُبَثُّ في نشرات الأخبار، بل وحشًا يلتهم ما تبقى من جيوب المواطنين. فسنوات الجفاف الطويلة أجهزت على القطيع، والقدرة الشرائية أجهزت على ما تبقى من صبر الفقراء، حتى صار العيد بالنسبة إليهم موسما للأحزان بدل الأفراح.
لكنّ هذه الفرحة المشروعة لا تكتمل دون الالتفات إلى فئة أخرى تتجرّع هي أيضًا كأس الخسارة، ويتعلق الأمر بصغار مربي الماشية ومحترفي المهن الموسمية المرتبطة بالرعي وبيع المواشي. فهؤلاء لا ذنب لهم في جفاف السماء، ولا في جفاف ضمير من يفترض أنهم يديرون شؤون هذا البلد. وكأنّ هذه الحكومة تقول لهم بكل برود: “عومو بحركم ” فكيف يتصرف من وضعه الله بين مطرقة السوق وسندان سوء التدبير؟
وفي خضم الحديث عن المتضررين، هل فكرنا في النساء القرويات اللواتي يربين كل سنة خروفًا أو خروفين لبيعهما بمناسبة عيد الأضحى؟ فهؤلاء النساء يعتمدن على هذا الدخل المحدود لسد احتياجات أسرهن، وقد يكون هو المورد الوحيد لهن وسط هذه الأزمة الخانقة.
إن فرحتنا المشروعة بهذا القرار لا ينبغي أن تنسينا هذه الفئة البسيطة التي ستتضرر، مما يستدعي تدخلاً حكوميًا لدعم الفلاحين الصغار وتعويضهم عن خسائرهم.
والمضحك المبكي أن الحكومة ذاتها تعترف بأنّ الإجراءات التي اتخذتها في الموسم الماضي، من رفع الرسوم الجمركية ودعم كل رأس ماشية مستورد، لم تحقق أي نتيجة تُذكر. بل زادت أسعار اللحوم ارتفاعا، وصار المستهلك الفقير كمن يطارد السراب. فماذا حدث إذن؟ من التهم تلك الأموال؟ هل ذهبت إلى جيوب كبار الكسّابة، أم إلى دهاليز لا يعلمها إلا الراسخون في دهاء الاقتصاد الريعي؟ أليس من حقنا أن نطالب بتحقيق جادّ يكشف من استفاد ومن تضرر؟
وهنا يأتي الحديث عن السيد أخنوش، رئيس الحكومة ووزير الفلاحة لسنوات، الرجل الذي يعرف عن القطيع أكثر مما يعرف عن الشعب. أليس هو المسؤول الأول عن وضع مخططات استباقية؟ أم أنّ دوره يقتصر على التصريح بأن الجفاف هو المسؤول؟ فلو كان الجفاف رجلاً لرفع دعوى قضائية ضد هذه الحكومة بتهمة التشهير به!
إنّ قرار إلغاء نحر الأضحية قرار صائب من حيث مبدأ تخفيف العبء عن كاهل الفقراء، لكنه في الوقت نفسه فضيحة مدوّية لحكومة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الحلول. وكأننا في بلد، كلما واجهنا أزمة، لجأت الحكومة إلى الخيار الأسهل: رفع الراية البيضاء!
وإذا كانت أم الوزارات، ممثلة في والي مراكش، قد احتوت غضب الناس وسمحت لبائع السمك باستئناف نشاطه التجاري، وإذا كان الملك، بصفته أمير المؤمنين، قد أنقذ المواطنين من غلاء الأضاحي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: ما دور حكومة “الكفاءات” إذن؟ لماذا تبدو الحكومة وكأنها في عطلة مفتوحة، بينما البلاد في حاجة إلى رجال دولة حقيقيين؟
والمثير للسخرية أن بعض الأحزاب السياسية سارعت إلى إصدار بلاغات “تثمّن” مضامين الرسالة الملكية، وكأن دورها الوحيد أصبح التصفيق لما يصدر عن القصر. فهل أصبحت الأحزاب مجرد فرق موسيقية تعزف ألحان التمجيد؟ أين اقتراحاتها؟ أين بدائلها؟
الحقيقة التي لا غبار عليها أن المؤسسة الملكية تقوم بدورها، والشعب يشيد بها، لكنّ الأحزاب لا تقوم بأي دور، والشعب غاضب منها.
ومن جهة أخرى، إذا كانت الغاية من إلغاء نحر أضحية العيد هي الحفاظ على رؤوس الأغنام، فلا ينبغي عند حلول العيد الإقبال على شراء كميات كبيرة من اللحم وتخزينها في الثلاجات، لأن ذلك سيفرغ القرار من جدواه. لذا، من الضروري توعية المواطنين بهذا الأمر لضمان تحقيق الهدف المنشود، وإلا سنكون أمام قرار بلا أثر فعلي، وكأن شيئًا لم يكن!
إنّ قرار إلغاء نحر أضحية العيد، وما كشفه من حقائق صادمة حول أسعار اللحوم ، هو بمثابة حكم بالإعدام على ما تبقى من مصداقية حكومة “الكفاءات”. ألا يحق لنا أن نحاسبها على فشل العام الماضي حين ذهبت أموال الدعم إلى من لا يستحقها؟ أليس من حق الشعب أن يعرف أين ضاعت أمواله، ولماذا صار يواجه الأزمات وحيدًا؟
فلا عجب إن استيقظنا ذات صباح ووجدنا بلاغًا حكوميًا جديدًا يقول لنا: “بسبب الأزمة، تقرر رسميًا إلغاء وجبة الغداء.. حفاظًا على الاقتصاد الوطني!”
لا يكفي أن تخرج الحكومة لتبرر وتحاول امتصاص الغضب، بل ينبغي أن تقدّم حسابًا شافيًا وافيًا عما فعلته، وتُبين للمواطن ما ستفعله في قادم الأيام. وإلى أن يحدث ذلك، سيظل هذا القرار صفعة في وجه حكومة لا تبتكر الحلول، ولا تتقن إلا اجترار الأعذار. وما أكثر الأعذار في زمنٍ نفد فيه صبر الشعب، وبات يتساءل بمرارة: “متى يخرجنا أهل الحل والعقد من نفق الفشل المظلم؟”

شارك هذا المحتوى