
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في زمن يعاني فيه المواطن البسيط من غلاء المعيشة وتدهور الخدمات الأساسية، يُصرّ البعض على هدر أموال الشعب في جيوب الصحافة الحزبية التي لا يقرأها أحد، ولا حتى أعضاء تلك الأحزاب.
إنها صحافة تحتضر، وتستنزف المال العام بحجة دعم حرية التعبير والتعددية الإعلامية، بينما لا تمثل سوى عناوين خاوية وصفحات فارغة أكثر. والسؤال الملح هنا: متى سنرى افتحاصاً شفافاً لمالية هذه الجرائد الحزبية؟
من المثير للسخرية أن تُخصص ميزانيات ضخمة لدعم صحف حزبية لا تجد لها قراءً حتى بين صفوف أعضاء تلك الأحزاب نفسها. فأين هم المناضلون الذين طالما زعموا أن هذه الصحف تمثل صوتهم؟ الواقع يقول إنهم انصرفوا عنها إلى فضاء الإنترنت أو منصات إعلامية أكثر استقلالية. بينما الصحف الحزبية أصبحت مجرد أوراق باهتة تُكدَّس في المخازن أو تُرمى في القمامة، ولكنها تستنزف موارد الشعب بلا حساب.
في مقابل هذا الدعم الأعمى، تُحارب الصحافة المستقلة بشتى الوسائل. من محاكمات جائرة إلى حملات تشويه ممنهجة، ويبدو أن الهدف واضح: إسكات كل صوت حر يفضح الفساد ويطالب بالشفافية. فالصحافة الحرة، التي تُعتبر الحارس الحقيقي للديمقراطية، تُقتل في صمت، بينما تُنفَق الأموال على مؤسسات إعلامية حزبية تخدم مصالح ضيقة وتحاول إيهام الشعب بأنها قائمة بدورها.
هل تمتلك الدولة الشجاعة لفتح ملفات الجرائد الحزبية والوقوف على أوجه صرف الأموال التي تتلقاها؟ لماذا تُمنح هذه الصحف دعماً بلا معايير واضحة، ودون أن تُقدم تقارير شفافة عن عدد النسخ الموزعة أو الأثر الذي تُحدثه في المشهد الإعلامي؟ إن هذه الأموال التي تُنفق على مشاريع إعلامية فاشلة كان من الممكن استثمارها في قطاعات أكثر نفعاً للشعب، كالصحة أو التعليم.
إن استنزاف المال العام بهذه الطريقة، دون رقابة أو محاسبة، ليس مجرد إهمال بل جريمة في حق الشعب. فالصحافة الحزبية، التي عفا عليها الزمن، لا تستحق درهما واحداً من أموال المواطنين. ولقد حان الوقت لإعادة النظر في هذه السياسات العبثية، ووضع حد لهذا النزيف المستمر. فالمال العام ليس غنيمة تُقسَّم بين الفاشلين، بل هو أمانة في أعناق المسؤولين.
على من يُدافعون عن دعم الصحافة الحزبية أن يُراجعوا مواقفهم ويُواجهوا الحقيقة لأن هذه المؤسسات الإعلامية لم تعد تمثل سوى عبئاً على ميزانية الدولة. وإذا كان هناك من يهمه حقاً مستقبل الإعلام في هذا البلد، فليكن دعمه موجهاً للصحافة المستقلة التي تُمثل نبض الشعب وتدافع عن قضاياه.
لقد كانت الصحافة الحزبية تمثل أحد أوجه السلطة الإعلامية في فترات سابقة، ولكن اليوم، هذه الصحف أصبحت كالأشباح التي لا تأثير لها في المجتمع، لأنها عفا عليها الزمن. ودعمها يجب أن يكون من ميزانية الأحزاب التي بدورها تتلقى دعماً مالياً من الدولة. إذ لم يعد لهذه الصحف مكان في المشهد الإعلامي اليوم، وأصبح دعمها عبئاً على دافعي الضرائب.
ومن المؤسف أن المجلس الوطني للصحافة، الذي كان من المفترض أن يكون حارسًا للصحافة الحرة والمستقلة، أصبح يمثل أحد أكبر المدافعين عن الصحافة الحزبية الميتة، ويحول جهوده لمحاربة الصحافة المستقلة التي تمثل صوت الشعب. وهذه الصحف الميتة لم تعد سوى عبئًا على ميزانية الدولة. ويُمثل هذا الوضع شخصيات مثيرة للجدل مثل يونس أمجاهد عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعبد الله البقالي عن حزب الاستقلال، اللذين يدافعان عن الصحف الحزبية التي لا تقرأها حتى شرائح كبيرة من أتباعهم.
جريدة “الاتحاد الاشتراكي” التي لا يقرأها أحد، وجريدة “العلم” التي فشل في إدارة نشرها عبد الله البقالي، لم تعد صالحة حتى لمسح زجاج النوافذ. وهذا هو حال الصحافة الحزبية اليوم، كأنها جسد بلا روح.
إن الوقت قد حان للوزارة المسؤولة عن قطاع الإعلام ودعمه، ممثلة في المهدي بنسعيد، أن تُراجع سياستها في منح الدعم لهذه الصحف الميتة. ويجب إعادة توجيه هذا الدعم إلى صناديق خاصة لصُناع المحتوى الرقمي الذين يرفعون راية الوطن ويؤثرون في الشعب داخل المغرب وخارجه. وأيضًا يجب دعم الصحافة المستقلة التي تستحق الدعم، وليس الصحافة الحزبية التي لا تقدم أي قيمة سوى البحث عن الريع وتقوية مصالح ضيقة. كما أنه يجب أن يتحرك قضاة المجلس الأعلى للحسابات لافتحاص مالية الصحف الحزبية وكذا النظر في تحقيق الأهداف التي على أساسها تتلقى دعماً من الدولة، وينظر هذا المجلس بشكل دقيق حول مسألة إهدار المال العام في اللاشيء.
لقد آن الأوان لإيقاف هذا النزيف المالي العبثي. فالمال العام يجب أن يُستثمر في دعم الإعلام الذي يعكس واقع المجتمع ويُساهم في بناء مستقبله. كفى من تبديد المال العام، كفى من دعم الصحافة الحزبية الميتة!

شارك هذا المحتوى