الأنباء بوست / حسن المولوع
أثارت نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة بعد نشر لوائح الناجحين ليلة الجمعة الماضي ، استياء بالغا من طرف الذين لم يحالفهم الحظ وكذا من طرف الرأي العام الوطني بعد اكتشاف أسماء أكثر من ثمان عائلات قد نجحت ، ما جعل الكثيرين يضعون احتمال أن هذا الإمتحان شابته شائبة ووجب تدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت اشراف النيابة العامة من أجل فتح تحقيق في الموضوع وفي كل ما يروج حاليا على الساحة ، وتمحيص أوراق الذين نجحوا بكونهم حصلوا على معدل أكثر من الذين رسبوا أم أن هناك لغز ما ، حسب رأي العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ، وهناك رأي آخر يسير في اتجاه المطالبة بإلغاء الامتحان الذي تم برسم سنة 2022 وإعادة اجرائه تحت اشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية .
أمام هذا الاتسياء العارم ، تردد اسم شخص كثيرا قيل أنه ابن أخت وزير العدل السابق المصطفى الرميد عن حزب العدالة والتنمية الذي اعتزل السياسة في وقت سابق ، حيث ارتبط اسم هذا الشخص باختراق وزارة العدل وتسريب معلومات مهمة وحصرية عبر حسابه الفيسبوكي قبل أن تعلن عنها الوزارة بأيام ، ومن ضمن ما أعلن عنه هو تدوينة التي قال فيها ” من المرتقب أن يتم الإعلان عن نتائج امتحان المحاماة الكتابي الليلة بإذن الله بالتوفيق “ ، وهو ما حدث بالفعل، تم الإعلان عن النتائج ما يفيد أنه قريب جدا من منبع المعلومات ، وكتب تدوينة قبلها بأسابيع ثم حذفها ، جاء فيها ” سيتم حصر عدد الناجحين في امتحان المحاماة في أقل من 900 ناجح . وبعدها ستصبح على شكل مباراة من 200 منصب كل ثلاث سنوات والله أعلم “ ، وبطبيعة الحال ما ينشره هذا الشخص ليس حنكة منه بل هو لغاية لا يعلمها الا هو ومن معه ، قد يكون هدفها التشويش او الضغط او شيء من هذا القبيل .
هذا الشخص دائما ما ينشر معلومات حصرية ويقوم بتغليفها بعبارة الله أعلم ، حتى يضفي عليها طابع الاحتمال ، وهنا يطرح السؤال الجوهري والأساسي ، ما هي صفة هذا الشخص بنشره معلومات على صفحته الفيسبوكية وهو ليس بصحافي ؟ هل يمكن للصحافي او غيره مثلا أن يقدم استشارات قانونية على صفحته ويغلفها بالله أعلم ؟ ألا يمكن اعتبار أن ما يقدم عليه هذا الشخص يدخل في اطار انتحال صفة مع العلم ان ما يقدمه ليس تعبيرا عن الرأي بل معلومات حصرية وتكون مؤكدة خاصة تلك المتعلقة بوزارة العدل التي كان المصطفى الرميد وزير العدل والحريات فيها ؟
بعد الإعلان عن نتائج الامتحانات السالفة الذكر تبين أن هناك اسم يشبه الاسم العائلي لهذا الشخص باللائحة ، قيل أنه لأخته ، وهناك اسم آخر يليه اجتاز الامتحان بنفس القاعة ، قيل أنه لابن خاله ويحمل الاسم العائلي ذاته ، لوزير العدل السابق المصطفى الرميد ، وهنا توضع عدة علامات استفهام كبيرة …
هذه الحالة ليست هي الوحيدة ، بل هناك حالات كثيرة لأسماء متشابهة فمثلا هناك أسماء لوزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي ، وهناك أسماء تشبه الاسم العائلي لجمعية هيئات المحامين ، وهناك أسماء عائلية كثيرة ، اخترنا الأبرز منها والتي لها نفس الرمز للبطاقة الوطنية، والتي تفيد ان الامر لا يتعلق بتشابه أسماء، بل بالعائلات ، الأكثر من هذا أن أبناء هاته العائلات معظمهم اجتازوا الامتحان بقاعة واحدة (…) ؛ ماذا يعني هذا ؟ ليس بمقدورنا الإجابة ، فالذي يستطيع الإجابة هو نتيجة التحقيق حتى لا نتهم أحدا .
ابن أخت وزير العدل والحريات السابق ، أصبح اسمه أشهر من نار على علم، ليس بسبب حنكته المهنية بل لارتباط اسمه بالتسريبات والاطلاع على كل ما تتداوله وزارة العدل وتقرره ، وبسبب الزوبعة التي لحقته لم يجد سبيلا غير الهروب ووضع قفل لحسابه الفيسبوكي لاخفاء منشوراته نتيجة فضيحة امتحان الأهلية لمزاولة المحاماة ، وفي هذا الصدد لا بد من طرح سؤال جوهري أيضا ، هل ما يقوم به هذا الشخص هو بإيعاز من خاله وزير العدل والحريات السابق علما أن هذا الأخير أعلن اعتزاله السياسة أم أن هذا الشخص يقوم بذلك من تلقاء نفسه وأعطى لنفسه الحق في نشر المعلومات الحصرية ؟ وهنا لا بد للوزير السابق أن يوضح للرأي العام ، والوزير الحالي أن يفتح تحقيقا داخل وزارته لمعرفة من يسرب المعلومات وما غايته من ذلك
إن الضجة التي صاحبت الإعلان عن نتائج امتحان الاهلية لمزاولة المحاماة لا تتعلق بعدم الرضى عن نتيجة من لم يعلن عن أسمائهم في لائحة الناجحين ، بل هو الإحساس بالظلم والحكرة ، بحيث أنه يوم اجتياز الامتحان كان هناك تساهل كبير في الحراسة حسب ما تم تداوله يومها ، وكانت هناك حالات غش كثيرة وقيل انه وقع تسريب للامتحان ، الا أنه وزارة العدل لم تتعامل بجدية وحزم مع الموضوع ، وهنا أحس طلبة وطالبات كليات الحقوق بغياب مبدأ تكفاؤ الفرص ، فكيف لطلبة يسهرون الليالي في التحضير للامتحان وبعدها يكتشفون الغش امامهم وفي النهاية لا ينجحون ، وعندما لا ينجحون يكتشفون ان ابن الفلان الفلاني نجح ، ومن هنا ينتاب المجتاز للامتحان نوع من اليأس ويتأكد أن الامتحان أضحى امتحان الأهل وليس امتحان الأهلية .
عدد من الطلبة والطالبات قرروا عدم الالتجاء للقضاء الاستعجالي من أجل معاينة أوراق اجوبتهم طبقا للقانون ، والسبب في ذلك أنهم قالوا بأنه حتى ولو أمر رئيس المحكمة بذلك فإنه سيتم التلاعب بالأجوبة قبل المعاينة ، لأن هذا امتحان QCM أي أسئلة متعددة الاختيارات والاجابة تكون فقط بتلوين الخانة او الخانات الصحيحة وترك الخانات الخاطئة ، وهنا يمكن قبل المعاينة أن يتم تلوين خانات أخرى او اخراج التلوين عن الخانة ويحسب الجواب خاطئا ، لأن الامر لا يتعلق بتحرير موضوع كما الامتحانات السابقة .
هذا الياس في عدم الالتجاء الى القضاء الاستعجالي أمر خطير جدا لأنه الطلبة قد زرع في نفوسهم فقدان الثقة بوزارة العدل التي كانت الى عهد قريب وزارة سيادية ، وفي الذهنية المغربية هي وزارة مقدسة قبل أن تعبث بها أيادي السياسة ، والخطير في الامر والذي يهدد الاستقرار هو فقدان الثقة
إن الحل أمام هذا السخط العارم ، هو فتح تحقيق فيما يروج من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت اشراف النيابة العامة ، وإلغاء الامتحان المذكور واعادته تحت اشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية لأن المبارايات يجب ان تكون تحت اشراف لجنة مستقلة ما دامت وزارة العدل لم تعد وزارة سيادية ، فكما أن هذه الوزارة لم تعد لها سلطة على القضاء والقضاة ، فوجب سحب هذه السلطة عنها حتى على المباريات ويكون دورها محصورا في الميزانية وما يرتبط باللوجستيك تماما كما هو الشأن في المحاكم ، فدور الوزارة هو السهر على البناية وتوفير الموظفين أما ما يتعلق بالاحكام والنيابة العامة فلا سلطة لها فيه ، وهذا كله حماية لصورة البلاد وضمان النزاهة والشفافية في المباريات
ان الغاء الامتحان لن يضر بالناجحين المعلن عن أسمائهم ولن ينقص من قيمتهم ما داموا انهم واثقون من أنفسهم أنهم كفاءة ونجحوا بجهدهم واجتهادهم ، فاعادة الامتحان هو اثبات لجدارتهم واستحقاقهم وكفاءتهم ، والأكثر من ذلك حماية لصورة آبائهم ومقربيهم امام الرأي العام ان نجحوا للمرة الثانية وبمعدل أكثر
وهناك حل ثان ، وهو الاحتفاظ بهؤلاء الذين نجحوا بعد التحقيق في أوراق أجوبتهم وهل فعلا حصلوا على معدل اكثر من الذين رسبوا ، ثم إعادة تنظيم امتحان اخر في غضون الأشهر المقبلة تحت اشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، والذين سيجتازون الامتحان ،حصرا هم الذين لم يتم الإعلان عن أسمائهم في لائحة الناجحين ويتم استدعاؤهم دون الحاجة لاعادة طلب التسجيل .
وفي انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة ما زالت وزارة العدل لم تخرج بأي بلاغ توضيحي ، فالوزارة الآن ووزيرها متهمان حتى تثبت براءتهما .
شارك هذا المحتوى