
الأنباء بوست / حسن المولوع
بدا وزير الثقافة والشباب المكلف بقطاع التواصل ، المهدي بنسعيد شاردا ومرتبكا اليوم الثلاثاء خلال جوابه على سؤال متعلق بمشروع قانون إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، وذلك خلال جلسة الأسئلة الشفوية المنعقدة بمجلس المستشارين ، حيث كان جوابه فارغا بلا روح ولا معنى ، وظهر أنه ليس على دراية بالقطاع المكلف به ويردد فقط ما قيل له دون أن يستعين بمختصين وسياسيين من ذوي المصداقية وملمين بالمجال لأخذ الاستشارة
اعتبر الوزير بنسعيد خلال جوابه أن الإعلام الالكتروني يعيش “نوعا من الفوضى بسبب وجود عدد من المواقع الاخبارية غير المصرح بها، وهي في وضعية مخالفة للقانون” مشيرا الى أن عدد الصحف الالكترونية بلغ 1215 إلى غاية شتنبر 2022، وأن هناك عددا من الصحف المصرح بها لا تتوفر على المقاولة المهيكلة ولا تؤدي واجبات الحماية الاجتماعية.
كلام كهذا على لسان وزير مسؤول ، هو كلام جد خطير يضرب مجهودات النيابات العامة المختصة الموجودة بمختلف محاكم البلاد و التي ما إن صدرت مدونة الصحافة والنشر في العام 2016 ، حتى استدعت المواقع غير المتلائمة مع القانون الجديد من أجل تسوية وضعيتها ، والتي لم تستطع ذلك فإنها تحيل أصحابها الى جلسة ويتم الأمر بحجبها ، وبالتالي فوجود مواقع مخالفة للقانون هو ضرب في مجهودات النيابات العامة وكأنها تتغاضى عن المخلفين للقانون، والرقم الذي يتحدث عنه الوزير غير صحيح ولا يمكن لأي موقع إلكتروني أن يكون في وضعية مخالفة للقانون لان هناك عقوبات بهذا الخصوص ، وعلى ما يبدو فإن الوزير يكلف مساعدين يستقون معلومات من الأنترنت وليس من الجهات الرسمية المعنية بهذا الموضوع
حديث الوزير عن المواقع الالكترونية وعن التصريح بها هو تدخل سافر في اختصاصات النيابة العامة التي هي وحدها من تعطي التصاريح طبقا للقانون وليست وزراته ، وهي وحدها الجهة المخول لها ، إعطاء أرقام المواقع الالكترونية التي تخالف القانون إن وجدت او التي تلاءمت مع القانون .
إن استراتيجية الوزير بنسعيد ومن معه من الباطرونا ، تسير عكس التوجه الملكي السامي ، والذي يؤكد دائما في كل خطبه السامية على تشجيع الاستثمار وتشجيع الشباب على انشاء المقاولات الصغرى، ولأجل ذلك تم خلق مبادرات ملكية لتمويلها ومواكبتها وليس محاربتها ، فهل الوزير المسؤول يجب أن يكون مع التوجه الملكي أم ضده ؟ هل الوزير يشتغل لصالح الوطن أم لصالح أشخاص داخل الوطن يريدون تأسيس دويلة داخل دولة يتحكمون فيها كما شاؤوا ؟ فالذين يدافع عنهم مكانهم ليس بالمجلس الوطني للصحافة بل مكانهم في الاتحاد العام لمقاولات المغرب ما داموا اليوم يتحدثون عن ارقام المعاملات وليس على المقروؤية والانتشار وقوة التأثير عبر الاخبار والتوجيه والتثقيف .
ما لا يعلمه الوزير بنسعيد ربما لعدم نضجه السياسي وعدم درايته بالقطاع أنه لا يمكن مقارنة مقاولات اعلامية توجد بالشمال المغربي مع مقاولات اعلامية توجد في الجنوب ، ولا يمكن وضع جميع العاملين بقطاع الصحافة والنشر في كفة واحدة، فالاعلام المحلي ليس هو الجهوي وليس هو الوطني ، فوضع الاعلام بالصحراء مغاير تماما لاعلام مدن الشمال والدار البيضاء والرباط نظرا لوجود هشاشة اجتماعية واقتصادية لا حصر لها تختلف من مكان الى آخر ، فالوزير يتحدث دون ان يقوم بدراسة للموضوع ولم يستطع وضع تصور منطقي لذلك ، فهو يتحدث بما سمع
إن القطاع الوحيد الذي أصبح يتدخل في هيكلة المقاولات هو قطاع الصحافة والنشر ، بينما نجد قطاعات أخرى لا تفعل ذلك ، مثل قطاع المحاماة والهندسة والطب ، فهل مثلا هيئات المحامين تتدخل في مكتب المحامي وتضع له شروطا في مكتبه ؟ هل هيئات الأطباء تتدخل في عيادة الطبيب ؟ فالوزير يلزمه البحث ليتكلم في الموضوع وهو يدري ، وإن كان لا يدري فتلك طامة ، وإن كان يتحدث بما يقال له فتلك طامة كبرى
إن المقاولات كل المقاولات يضبطها قانون خاص بها وهو قانون الشركات ، والمشتغلين بها يضبطهم قانون الشغل ، فالحديث عن الضمان الاجتماعي وعن الأجور وما الى ذلك له من هو مسؤول عنه ، فمن لم يقم بتسجيل الاجراء بصوق الضمان الاجتماعي فهناك مفتش الشغل وليس المجلس الوطني للصحافة الذي دوره تنظيم المهنة وليس تنظيم المقاولات ومتابعة شؤونها الداخلية ، فالمهنة وأخلاقياتها شيء له قانون ، والمشتغلون داخل المقاولة شيء آخر ويضبطهم قانون
لا أحد قطعا ضد تنظيم المهنة وهيكلتها وتحصينها والبحث عن نمودج جديد لتأهيل المنشأة الصحفية، لكن من الأكيد أنه أيضا لا أحد سيقبل شن الحروب على المقاولات الصغرى لصالح المقاولات الكبرى ، بدعوى التنظيم المفترى عليه ، وخلق صراعات هي في الحقيقة صراعات على المواقع وليست صراعات على المبادئ والديمقراطية والاستقلالية
فأين هي الاستقلالية من تحالفات خفية مع الوزير المذكور ؟ وأين هي الاستقلالية من وجود عضوي مكتب سياسي لحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي ؟ وأين هي الاستقلالية من تدخل الحكومة كلها في القطاع ووضع يدها على مؤسسة التنظيم الذاتي ؟
هذه هي الأسئلة الجوهرية والحارقة التي يهرب الوزير ومن معه من الجواب عليها

شارك هذا المحتوى