الأنباء بوست
أصبح استهتار شركة الطرام بمصالح المواطنين والمواطنات في مدينة الدار البيضاء ظاهرة مقلقة تُلقي بظلالها على جودة هذه الخدمة التي كان يُفترض أن تُشكل حلاً حضارياً لتنقلاتهم اليومية.
يوم الثلاثاء الماضي، تعرض الخط رقم ثلاثة لعطل استمر لأزيد من ساعة، تاركاً الركاب عالقين في محطات الانتظار دون أي توضيح أو اعتذار من الشركة المعنية.
مشهد الانتظار الطويل عكس بجلاء غياب الاحترام للمواطنين الذين أدّوا ثمن التذكرة وانتظروا حتى أرهقهم الانتظار، قبل أن يضطر أغلبهم إلى اللجوء إلى سيارات الأجرة، متكبدين تكاليف إضافية وهدرًا للوقت.
ما يزيد الطين بلة هو غياب أي مبادرة للتواصل أو الاعتذار من طرف الشركة. فكيف يمكن لشركة تُقدم نفسها كرمز للنقل الحضاري أن تستمر في مثل هذه السلوكيات دون أي مساءلة؟ وهل يُعقل أن تسقط في فخ التعالي وعدم الاكتراث منذ بداية عملها خاصة والمغرب مقبل على أهم تظاهرة عالمية؟
إلى جانب الأعطال المتكررة التي تُظهر هشاشة المنظومة، تواجه البنية التحتية لمحطات الطرام في الدار البيضاء انتقادات متزايدة بسبب تصميمها السيئ. فالمحطات متباعدة بشكل يثير استياء الركاب، مما يجعل التنقل بين محطة وأخرى عبئاً إضافياً يُثقل كاهلهم. والأسوأ من ذلك هو معاناة الركاب عند تغيير الخطوط أو المواصلة ، إذ تُجبرهم هذه العملية على السير لمسافات طويلة، وأحياناً عبر مداخل وحيدة تُعيق الانسيابية المطلوبة. ومحطة محمد سميحة تُعد نموذجاً صارخاً، حيث يُجبر الركاب على السير لمسافة طويلة لتغيير الخط نحو محطة الديوري، وهو أمر مرهق وغير عملي، خاصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وعموم المواطنين حين تكون السماء ممطرة .
هذا التصميم الهندسي المتواضع للمحطات لا يليق بمدينة كبرى مثل الدار البيضاء، التي يُفترض أن تكون واجهة حضارية للمغرب. وبدلاً من أن توفر هذه الوسيلة حلاً مريحاً وفعالاً، أصبحت عبئاً يُضاف إلى مشاكل النقل الأخرى في المدينة.
المسؤولية هنا مزدوجة، وتتحملها كل من الشركة المسيرة والجهات الوصية على القطاع. فلا يمكن التغاضي عن تصميم سيئ يهدر وقت المواطنين وطاقتهم، كما لا يمكن السكوت عن الأعطال المتكررة والتسيير العشوائي الذي يُفرغ هذه الوسيلة الحضارية من مضمونها.
إن مثل هذه الحوادث المتكررة تكشف عن خلل عميق في منظومة إدارة هذه الوسيلة الحديثة للنقل العمومي، والتي استبشر المغاربة خيراً عند إطلاقها. وبدلاً من أن تكون الطرام وسيلة تُسهم في تحسين جودة الحياة وتخفيف ضغط التنقل، أصبحت مرادفاً لعدم الالتزام والتجاهل الممنهج لحقوق الركاب.
النقل العمومي ليس مجرد خدمة تقدمها الشركات لتحقيق الأرباح، بل هو حق يرتبط بجودة حياة المواطنين بشكل مباشر. الإخلال بتسييره يمثل إخلالاً بمبادئ المسؤولية الاجتماعية، واستهتاراً بحقوق الناس ووقتهم.
ما حدث يوم الثلاثاء ليس سوى جرس إنذار آخر. و تجاهل هذه الإشكالات سيؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في الطرام، وربما إلى فشل المشروع بأكمله إذا لم تُتخذ تدابير حازمة. وعلى الشركة المعنية والسلطات المحلية أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تُعيد النظر في تقريب محطات المواصلة ، وآليات التسيير، والتواصل مع الركاب، لأن النقل العمومي ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو شريان حياة المدن الحديثة.
شارك هذا المحتوى