الأنباء بوست/ حسن المولوع
عرف عن الصحافي حميد المهدوي أنه كان دائمًا في طليعة المدافعين عن زملائه ومن يمرون بمحن قاسية، لكنه اليوم يجد نفسه ضحية خذلان من أقرب الناس إليه.
لم يكن المهدوي مجرد صحافي يعبر عن رأيه، بل كان رمزًا للإخلاص المهني والإنساني، مدافعًا عن المظلومين وملقياً بنفسه ومستقبله في المعارك الصعبة دون تردد. ومع ذلك، ها هو اليوم يتعرض لخذلان قاسٍ من أولئك الذين كان يعتبرهم أصدقاء وأبناء مهنته، الذين لم يتجشموا حتى عناء كتابة كلمة تضامن في قضيته، في مواجهة وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي استغل الإعلام العمومي لتوجيه القضاء المغربي، المعروف باستقلاليته.
وللتاريخ والذكرى، كانت قضية القاضي المعزول محمد الهيني واحدة من أبرز محطات نضال المهدوي. فقد خاض معركة إعلامية شرسة من أجل إنصاف هذا القاضي، ودفعت مواقفه به إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، حيث فارق أسرته وأطفاله، ليضحي بثمن غالٍ من حياته. ومع ذلك، عندما عاد الهيني إلى الساحة، نسي ما قدمه له المهدوي وتركه وحيدًا في محنته. كان ذلك التجاهل الموجع بداية لسلسلة جديدة من الخذلان التي تعرض لها المهدوي، وهذه المرة من زملائه في المهنة.
في محنته الأخيرة، تجاهله كبار الصحافيين مثل توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي، أولئك الذين استفادوا من دعمه العلني لهم حينما كانوا يقبعون في السجن. لكنهم لم يخرجوا حتى بتدوينة تضامنية مع المهدوي، رغم أنه كان يقدم لهم الدعم في محنتهم ويفضح الحملات الممنهجة التي شُنت ضدهم. ويبدو أن سعيهم لتحسين علاقتهم بالسلطة جعلهم يفضلون الصمت على مساندة زميلهم الذي وقف إلى جانبهم دون أن يبحث عن أي مصلحة شخصية.
إلى جانب ذلك، لم يقف المهدوي عند خذلان أصدقائه له ، بل حتى النقابة الوطنية للصحافة المغربية وأعضاؤها، الذين كان يمد بعضهم بالدعم المستمر، تجاهلوه. لم يصدروا بيانًا يدافع عن حرية الصحافة ضد استغلال السلطة للإعلام العمومي، في ظل ممارسات وزير العدل عبد اللطيف وهبي الذي لم يتردد في التأثير على القضاء والإعلام لخدمة مصالحه.
بلغ الخذلان ذروته حين اختار يونس امجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة، الصمت حيال قضية المهدوي، رغم مسؤوليته عن القطاع وحمايته للصحافيين من تعسف السلطة. جاء موقفه السلبي على عكس مواقف محامين ونشطاء صحافيين، مثل محتات الرقاص رئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف، ونور الدين مفتاح رئيسها السابق، إلى جانب وزراء سابقين مثل نبيل بنعبد الله ومصطفى الخلفي وامحمد الخلفية. وقد برز بينهم أيضًا المحامي فيصل أومرزوك، الذي قدم شكايتين رسميتين كشف من خلالهما عيوبًا جسيمة وتجاوزات في ملف المهدوي، وقدمها للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
الصحافي حميد المهدوي يقف اليوم وحيدًا في مواجهة وزير له سلطة ونفوذ وزملاء باعوا قيمهم المهنية مقابل تحسين صورتهم أمام الجهات المسؤولة. ويبقى السؤال المؤلم الذي يطرحه الشارع المغربي: أين الضمير المهني؟ أين القيم الصحافية التي تجعل من حرية التعبير والتضامن أساسًا لا يمكن التفريط فيه؟
لكن الأمل لا يزال في القضاء المغربي ليحقق العدل، ليس فقط للمهدوي كشخص، بل لكل الصحافيين والصحافيات الذين يؤمنون بأن مهنة الصحافة هي رسالة قبل أن تكون وسيلة للعيش، وأن التضامن هو أساس البقاء في عالم يضيق بأصحاب الضمائر الحرة.
شارك هذا المحتوى