
الأنباء بوست/ حسن المولوع
يبدو أن مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد وجد في الهجوم على حزب الاتحاد الاشتراكي هواية جديدة يشغل بها وقته، لكنه للأسف اختار ملعبًا لا يُجيد اللعب فيه، ليقدم للشعب المغربي عرضًا شبيهًا بفرقة موسيقية تائهة: كثير من الضوضاء، قليل من الإيقاع، ولا أثر للمعنى.
في آخر ظهور له، قرر السيد بايتاس تجاهل كل التقارير الوطنية والدولية التي عرت عجز الحكومة عن محاربة الفساد. ولم يكلف نفسه عناء الرد على تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة التي يُعين رئيسها ملكيًا، أو تقارير ترانسبارنسي ذات المصداقية الدولية العالية. وبدلًا من ذلك، توجه بخطاب مرتبك نحو حزب الاتحاد الاشتراكي، متهمًا إياه بأنه ما زال يعيش “صدمة” عدم دخوله للحكومة. وكأننا أمام مشجع كروي متعصب ما زال يلوم الحكم على مباراة انتهت منذ ثلاث سنوات!
اتهام بايتاس بأن الاتحاد الاشتراكي ينتقد الحكومة بدافع “الغيرة السياسية” ليس فقط ساذجًا، بل يكشف عن ضعف حاد في الفهم السياسي. لأن المعارضة ليست ناديًا اجتماعيًا ينتظر دعوة الحكومة، بل هي ركن أساسي في العمل السياسي، ودورها النقد والمحاسبة. ولكن يبدو أن الناطق الرسمي، بدلًا من تعلم أبجديات السياسة، قرر أن يعتمد على قاموس التلميحات الطفولية: “إنهم ينتقدوننا لأننا لم نسمح لهم باللعب معنا!”
وإذا كان بايتاس يعاني من ضعف في الذاكرة السياسية، فيجب تذكيره بأن الاتحاد الاشتراكي، بعد الانتخابات، أعلن بشكل واضح أن موقفه من المشاركة في الحكومة مرتبط بجودة العرض السياسي. وعندما رأى أن العرض لا يرقى إلى طموحاته، اصطف في المعارضة بقرار مؤسساتي مسؤول. إذن، أين الصدمة التي يتحدث عنها؟ أم أن المشكلة الحقيقية لدى بايتاس هي أن هناك حزبًا يُمارس دوره بفعالية بينما حكومته بالكاد تتقن دور المتفرج؟
السيد الناطق الرسمي، الذي يبدو أنه متخصص في الهروب من مواجهة الحقائق، تجاهل تمامًا التقارير التي تنتقد أداء حكومته في ملفات عديدة. وبدلًا من الرد بأرقام أو إنجازات ملموسة، اختار الطريق الأسهل: الهروب إلى الأمام، وتحويل الأنظار عن فشل حكومته إلى اتهام المعارضة. وربما يظن أن تجاهل المشكلة هو الحل الأمثل، ولكن شعار حكومته في هذا الملف يبدو أقرب إلى: “إذا لم تستطع القضاء على الفساد، فتظاهر بأنه غير موجود!”
والأمر الذي يعمق المأساة هو أن بايتاس، في كل مرة يفتح فيها فمه، يُثبت أنه سياسي بلا بصمة، متقمصًا دورًا هجوميًا لا يُجيده. فتصريحاته الفوضوية تكشف عن محاولة يائسة لتقليد من سبقوه في المنصب، لكن التقليد الباهت لا يخلق قائدًا، بل يصنع شخصية هامشية.
إذا أراد السيد بايتاس الرد على انتقادات المعارضة، فليحاول أولًا اكتساب الحد الأدنى من الرزانة والحنكة السياسية. لأن السياسة ليست مجرد مباراة صراخ، والمناصب الرسمية ليست منصة للخطابات الجوفاء. فالحجج يجب أن تكون أكثر إقناعًا من الصوت، وإلا فسيجد نفسه يومًا ما يتحول من “ناطق رسمي” إلى “مادة ساخرة” في مقاهي السياسة.

شارك هذا المحتوى