
الأنباء بوست / حسن المولوع
ما تزال الصحافة المحتلة من طرف حزبين سياسيين تعاني من العدوان الممارس عليها من الكيان الريعي المحتل الذي يقوده كل من الاتحادي يونس امجاهد والاستقلالي عبد الله البقالي ، اللذان هدفهما اصبح واضحا ؛ ليس التنظيم الذاتي للمهنة بل تصفية الحسابات مع الخصوم المستقلين عن الأحزاب والنقابات، والقضاء على فرص الشغل بالامتناع عمدا عن منح الصحافيين لبطائقهم المهنية تحت مسمى تنظيم المهنة حتى ولو كان ذلك بالقفز على النصوص القانونية والاجتهاد عن جهل رغم وجود النص .
ولم يقتصر هذا العدوان بقذائف الجهل بالقانون المحرمة دوليا على الصحافيين المنتقذين للتسيير الفاشل للعجوزين المتقاعدين يونس امجاهد و عبد الله البقالي ، بل شمل العدوان حتى البيت الداخلي “للبدعة المفبركة” لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، والذي شهد مؤخرا انفجارا داخليا بسبب الصراعات التي طفت على السطح ، وأريد لهذه الصراعات ألا تخرج للعلن حتى لا يقف الرأي العام والجهات المسؤولة ذات الصلة على حقيقة الأمور وما كان يجري التنبيه إليه منذ سنوات ، أثناء ولاية المجلس الوطني للصحافة قبل أن يتم السطو على إرادة كل الصحافيين والصحافيات بالامتناع عن اجراء انتخابات جديدة لتجديد هياكله ، وتم التفكير بعدها عبر الالتفاف على الدستور بخلق كيان هجين سمي باللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر والتي يجمع الصحافيون والصحافيات أنها لا تمثل إلا أصحابه من صناع الاحتلال الحزبي والريعي .
وتعود تفاصيل الصراع الداخلي بحسب ما توصلت به صحيفة الأنباء بوست من مصادرها ، حول صفقة المنصة الالكترونية المتعلقة بطلبات تجديد البطاقة المهنية التي عرفت مشاكل كثيرة ، حيث أن الشركة التي حظيت بهذه الصفقة تعود ملكيتها حسب مصادرنا لزوجة أحد أعضاء المجلس الوطني للصحافة مناصفة مع عضو آخر وهو الآمر بصرف المالية في تضارب واضح للمصالح، ما يلزم ذلك توضيحا عبر بلاغ أو فتح تحقيق من طرف الفرقة الوطنية ، لأن الأمر يتعلق بالمال العام الذي لا ينبغي التلاعب فيه بأي شكل من الأشكال حتى ولو كان ذلك يتم بسد الثغرات القانونية لتغطية الاختلالات، لأن مهنة الصحافة هي مهنة نبيلة ومن ينظمونها عليهم أن يكونوا أكثر نبلا وأخلاقا واكبر من أي تلاعب او بحث عن الثغرات لسدها قصد الاستفادة من الدجاجة التي تبيض ذهبا على حد تعبير مصادرنا
ومما زاد من حدة الصراعات تضيف مصادرنا في السياق نفسه هو أن كلا من يونس امجاهد وعبد الله البقالي حاولا بعد ضغط خارجي عليهما فرض توقيع اتفاقية على أعضاء اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، الأمر الذي استفز ثلاثة من الأعضاء الذين انتفضوا في وجه هذا الثنائي المثير للجدل ، والذي بسببه تشتت الجسم المهني وعرف تصدعات لا يمكن رأبها الا بطردهما شر طردة من القطاع برمته بحسب وصف مصادرنا
الاتفاقية التي خلقت هذا الصراع والتي أراد الكيان الريعي فرضها على باقي أعضاء اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر تتعلق بالمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز ، هذا المرصد الذي تأسس في ماي 2024 تشرف عليه صحيفة برلمان كوم ، وهو بحسب نص بلاغ الجمع العام التأسيسي هو هيئة مدنية للمساهمة في التصدي لكل أشكال الاستعمال المعيب لوسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام، عبر خلق عدد من اللجان الوظيفية تتوزع بين الرصد والتحليل، التحسيس والتأهيل، التوجيه والوساطة، الإنصات والمواكبة والدعم النفسي، المساعدة القضائية، التشاور والترافع، البحث والدراسة وكذا التعاون والشراكة .
واللافت للنظر أنه وقبل طرح هذه الاتفاقية للتوقيع على الجمعية العمومية للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، قامت صحيفة برلمان كوم بنشر مقال مطول بتاريخ 13 يوليوز 2024 تحت عنوان ماذا لو قرر المجلس الأعلى للحسابات فتح ملف الاختلالات التدبيرية للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ؟ ، وألمحت الصحيفة من خلال هذا المقال الى وجود اختلالات مالية تتعلق بالنقابة الوطنية للصحافة في عهد كل من رئيسها السابق عبد الله البقالي وقبله يونس امجاهد ، وكذا وجود اختلالات مالية في الجمعية التابعة لها والمسماة بجمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة .
وأشارت صحيفة برلمان كوم الى أساليب تسيير مالية النقابة وجمعيتها، وذكرت أن أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة لا يعرفون كيف تصرف ميزانية النقابة، ولا الحسابات البنكية المفتوحة باسمها ، كما ان الصحيفة ذاتها اشارت الى أن هناك صحافيون وقعوا على عريضة في وقت سابق ذكروا من خلالها تفاصيل مهمة حول الاستفادة السنوية للنقابة من دعم مالي من الدولة قيمته 100 مليون سنتيم سنويا، بالإضافة إلى دعم آخر بقيمة 150 مليون سنتيم سنويا باسم جمعية الأعمال الاجتماعية، وتساءل هؤلاء الصحافيون بحسب نص مقال برلمان كوم، بأن هناك غموض وتستر على كيفية صرف مبلغ مليار و200 مليون كانت قد خصصتها وزارة الاتصال للدعم التكميلي للصحافيين، ولم يتم نشر لائحة المستفيدين منه.
مقال صحيفة برلمان كوم التي لها قوتها ومقروؤيتها وسط المسؤولين بالبلاد ، أصاب الأشخاص المعنيين به بالقشعريرة ، خاصة وأن الرأي العام الوطني أصبح منشرحا صدره لتحركات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وهي تستدعي من كانوا يعتقدون أن يد العدالة لن تطالهم ، وأنهم يتوفرون على حماية خاصة تجعلهم يفعلون ما يشاؤون دون حساب ولا عقاب ، وفي هذا الصدد وبحكم أن المقال المذكور خلق حالة من الرعب في نفوس من في بطونهم شيء من حتى ، اكتشف الرأي العام أن صحيفة برلمان كوم استضافت عقب المقال مباشرة عبر برنامجها الشهير نخرجو ليها ديريكت ، القيادية الاتحادية حنان رحاب وهي تعتبر نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ورئيسة جمعية الاعمال الاجتماعية للصحفيي الصحافة المكتوبة ، وكانت هذه الاستضافة بتاريخ 27 يوليوز 2024 ، وهي استضافة في شكلها المعلن تتعلق بالحديث عن واقع مهنة الصحافة لكن المضمر هو مجاملة وطلب ود الصحيفة عبر حنان رحاب بالكف عن التناول الإعلامي لمالية النقابة والجمعية وحتى المجلس الوطني للصحافة الذي ولحدود كتابة هذه السطور لم يتم نشر تقاريره المالية
ما يمكن استخلاصه وفهمه من الصراع بالبيت الداخلي للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، أن حالة الرعب والضغط بسبب المقال السالف ذكره، أجبرت الثنائي البقالي وامجاهد على اخراج الممكن من المستحيل لتوقيع تلك الاتفاقية المتعلقة بالمرصد المغربي لمحاربة التشهير والابتزاز ، فتم تقديمها خلال الجمعية العمومية دون ذكر تفاصيلها ولا بنودها ولا أسباب نزولها ، لأن الامر يتعلق ” بمكره اخاك لا بطل ” ، فجرى تقديم صفحتها الأخيرة المتعلقة بالتوقيع دون الاطلاع ولا المناقشة ، فكان لبعض الأعضاء ان انتفضوا لذلك لعلمهم المسبق بالأمر قبل انعقاد الجمعية العمومية وخلفيات ذلك ، ومن وراء فرضها(…)
إن الصراع بالبيت الداخلي الذي تسبب فيه الكيان الريعي، ليس من أجل الصحافيين والصحافيات وليس من أجل تنظيم المهنة وفرض مقترحات لصالح قطاع الصحافة والنشر ، بل الصراع في عمقه هو من أجل الكعكة ومن يتحكم في اقتسامها ، ذلك أن المجلس الوطني للصحافة هو الآن بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا ، والسباق والتصارع هو من أجل من يتحكم في سلة البيض .
وفي خضم هذا الصراع والشد والجذب ، يبدو أن البيض قد جرى تكسيره عندما صدر العفو الملكي السامي على مجموعة من الصحافيين بمناسبة الذكرى الفضية لتربع صاحب الجلالة نصره الله على عرش اسلافه المنعمين ، ذلك العفو الذي هو إشارة ضمنية أن البلاد محتاجة لصحافة حقيقة تساهم في البناء الديمقراطي ، والاتجاه نحو اصلاح القطاع بما يخدم المصالح الوطنية بعيدا عن المصالح الشخصية وخلق كيانات ريعية هدفها تصفية الحسابات مع الخصوم لضمان حصة اكبر من الريع
لقد صار لزاما اليوم أكثر من أي وقت مضى ، أن يلتف فقهاء القانون للاجتهاد وفتح نقاش حول الفصل 28 من الدستور ، هذا الاجتهاد الذي من الممكن أن يفتح إمكانية انشاء مؤسسة أخرى للتنظيم الذاتي للمهنة طالما أن الفصل لم ينص صراحة على مسمى ” المجلس الوطني للصحافة ” الذي هو مجرد جمعية وليس مؤسسة دستورية ، بل ترك الباب مفتوحا حول تأسيس إطارات مهنية تنافس بعضها البعض بتشجيع السلطات العمومية ، طالما أن هذه الإطارات تتأسس على مبدأ الانتخاب وليس التعيين الملكي كما هو الشأن بالمجلس الوطني لحقوق الانسان والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ، وبالتالي ومن أجل القضاء على هذا الاحتلال الحزبي والريعي ، يمكن للتنظيمات المهنية الجلوس على طاولة المفاوضات مع الوزارة المسؤولة عن القطاع من اجل ان تقترح على الحكومة قانونا يقضي باحداث مؤسسة أخرى للتنظيم الذاتي للمهنة ، ويبقى الصحافيون والناشرون أحرارا في اختيار المؤسسة التي تضمهم وتنظمهم ،دون أن تعطي الدولة أي دعم ، ويبقى التمويل ذاتيا أي بالاشتراك السنوي للمؤسسات الإعلامية وبالتالي سيتم ضمان الاستقلالية المالية التامة بعيدا عن الحكومة ، وفي هذا المضمار تكون الوزارة هي المانح الوحيد للبطاقة المهنية او على الأقل تشرف على منحها لاغلاق الباب حول إمكانية استعمال تلك البطاقة كآلية ضغط على الصحافيين المنتقذين إذا هم لم يقدموا الولاءات لبعض الأشخاص ويتم استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة بتجريد بعض الصحافيين والصحافيات من حقوقهم المكتسبة .
كما أنه حاليا يلزم التفكير في ترشيد الدعم المقدم للمقاولات الإعلامية ، وتحويله من مسمى الدعم الى مسمى الاستثمار تحت يافطة التنافس ، فلا يمكن للدولة أن تدعم مقاولات كبرى لها رأسمال ضخم ، فالدعم في فلسفته لمن يحتاج اليه ” وليس زيد الشحمة فظهر المعلوف ” ، فمبدأ الاستثمار هو الذي سيبين من هم المقاولات الكبرى ومن هي المقاولات الصغرى حقيقة ، اذ أن الكبير يكون من حيث الكفاءة والتأثير وصناعة الرأي العام ، وليست المقاولات الكبرى برقم المعاملات ، لأن رقم المعاملات يتعلق فقط ” بالكوارة ديال الدجاج والحوالة والحلالف ” أما قطاع الصحافة فرقم معاملاته يتعلق بالقدرة على تشكيل الرأي العام ونشر الوعي وثقافة وفكر الناشر ، وفوق ذلك السمعة المهنية .

شارك هذا المحتوى