
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في مشهد يعكس التراجع المخزي لدور النقابة الوطنية للصحافة المغربية، نجد قضية الصحافي حميد المهداوي مثالاً صارخًا لحالة التخلي عن المسؤولية تجاه الصحافيين المستقلين. ففي وقت كان يُفترض أن تتصدى النقابة بحزم لدعم المهداوي الذي يواجه أحكامًا بالحبس النافذ وغرامة ثقيلة، اختارت القيادة الحالية للنقابة، تحت رئاسة عبد الكبير أخشيشن، الوقوف في صف الصمت وكأن القضية لا تعنيها.
وأمام هذا الغياب المؤسف، تبدو النقابة الحالية في وادٍ آخر، بعيدًا عن رسالتها المفترضة في الدفاع عن الصحافة الحرة. إذ في اللحظة التي كان يجب فيها أن تلعب النقابة دورًا محوريًا للدفاع عن أحد أبرز الصحافيين المستقلين، وجدناها تغيب بشكل مريب، وكأنها لا تمثل سوى واجهة شكلية لا علاقة لها بدورها المنوط بها.
وعندما كان المهداوي يواجه محاكمة تلو الأخرى ويعاني من أحكام قاسية، آخرها حكم بالحبس لمدة سنة ونصف وغرامة مالية ضخمة بلغت 150 مليون سنتيم، لم تُصدر النقابة الوطنية للصحافة المغربية أي بيان واضح للتنديد أو حتى لتقديم الدعم. هذا الصمت الفاضح يعكس انحرافًا خطيرًا عن مبادئ المهنية والمسؤولية الأخلاقية، خاصة أن النقابة يُفترض أن تكون الجهة الأولى للدفاع عن حقوق الصحافيين.
وبينما نقف أمام موقف لا يمكن وصفه إلا بالعار، نتذكر مواقف مشابهة في الماضي القريب عندما كان عبد الله البقالي رئيسًا للنقابة، حيث اتخذت النقابة في عهده خطوات شجاعة حين كانت قضية المهداوي أمام غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء عام 2017، وذلك على خلفية حراك الريف. إذ قامت النقابة وقتها بتنصيب محامٍ للدفاع عنه. ولم يختبئ البقالي خلف المصالح الشخصية أو الأجندات السياسية، بل أعلن بشكل صريح موقفه وتحدى كل الجهات التي حاولت المساس بحرية الصحافة. لكن مع القيادة الحالية لعبد الكبير أخشيشن، الزعيم بلا موقف، نرى نقابة الصحافة تقف صامتة متخاذلة، متناسيةً دورها الجوهري، وكأنها لا تجد مصلحة في الدفاع عن زميلها المهداوي. فهذا التخاذل الصارخ يعكس ضعفًا وخوفًا غير مبرر، ويطرح تساؤلات حول مصداقية النقابة والجهة التي تمثلها.
يبدو أن النقابة اليوم أصبحت أداة في أيدي المصالح الخاصة، تتعامل بازدواجية مريبة تخالف كل ما قامت من أجله. ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه من أخشيشن أن يسير على خطى سلفه عبد الله البقالي، فضّل الصمت وكأن القضايا التي تمس الصحافيين المستقلين لا تعنيه أو لا تدخل في دائرة اهتماماته مثل قضية وديع دادة مقدم نشرة الاخبار بالقناة الثانية .
وحتى مع النقد الموجه لعبد الله البقالي على مواقفه السابقة والحالية، ومضايقته لبعض الصحافيين المنتقدين له، إلا أنه كان على الأقل يمتلك شجاعة الدفاع عن زملائه، ولم يُسجل في تاريخه تقديم شكاية قضائية ضد أي صحافي، كما فعل يونس امجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة ، الذي قدّم شكاية ضد أحد الصحافيين أثناء فترة كورونا، وكان الهدف منها إسكاته والبحث عن وسيلة لاعتقاله . ورغم أن القضاء كان واعيًا بحفظ الشكاية، إلا أن موقف امجاهد يعكس بوضوح هذا النهج الانتقامي والمتحامل على الصحافيين المستقلين.
من الصعب اليوم اعتبار النقابة الوطنية للصحافة المغربية في عهد عبد الكبير أخشيشن جهة تمثل ضمير الصحافة أو صوت الصحافيين. فقد بات واضحًا أن النقابة فقدت بوصلتها، وأن مصالحها باتت مرتبطة بأطراف أخرى لا علاقة لها بالدفاع عن حرية الصحافة أو حماية الصحافيين من الاضطهاد والتضييق.
إن النقابة في عهد عبد الكبير أخشيشن، بدلاً من أن تكون حصنًا يحمي الصحافيين ويُدافع عن حقوقهم، أصبحت تمثل نموذجًا للخذلان والانصياع، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الصحافة المستقلة في المغرب ومدى التزام النقابة بقضايا الحرية والمسؤولية الأخلاقية.

شارك هذا المحتوى