
الأنباء بوست/ حسن المولوع
لم يكن حضور عبد الله البقالي إلى قاعة محكمة الاستئناف بالرباط في جلسة محاكمة الصحافي حميد المهداوي مجرد متابعة عادية لإجراءات محاكمة شغلت الرأي العام المغربي، بل كان فعلا محمّلا بالرمزية، ويعبّر عن ما هو أعمق من مجرد تضامن مهني عابر. فوسط مشهد قضائي معقد استمر 13 ساعة متواصلة، بدا واضحا أن معركة المهداوي خرجت من جدران المحكمة إلى كواليس الصراع الخفي داخل الجسم الصحفي نفسه، حيث تتقاطع الحسابات النقابية بالمناورات السياسية والتوازنات الشخصية التي رسمت خطوط مواجهة غير معلنة بين أقطاب تقليدية تمسك بخيوط المشهد الإعلامي المغربي.
بين عبد الله البقالي ويونس مجاهد تفاصيل كثيرة تستحق أن تُروى. فحضوره بصفته عضوا بارزا في المجلس الوطني للصحافة ورئيس النقابة الوطنية للصحافة سابقا إلى هذه الجلسة يكشف أبعاد مواجهة خفية تجري في كواليس الجسم الصحفي المغربي. فمنذ فترة طويلة، تعرض المهداوي لحملات متواصلة من التشكيك في صفته المهنية، حيث وُصف مرارا بـ”اليوتيوبر” بدل الصحافي، كجزء من محاولة نزع الغطاء المهني الذي يستند إليه في معركته القضائية. هذه الحملة أسفرت عمليا عن قرار اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر بعدم تمكينه من بطاقة الصحافة، وهو قرار طالما ربطه المهداوي مباشرة بتوقيع عبد الله البقالي، الذي كان يرأس لجنة البطاقة المهنية في عهد المجلس الوطني للصحافة قبل أن تتحول اللجنة إلى صيغتها المؤقتة الحالية. فقد كان ملفه في البداية بصيغة “مقبول”، ثم تحوّل بعد ذلك إلى طور “المعالجة”، قبل أن ينتهي برفض تم تعليله بطريقة أجمع مراقبون على أنها ساذجة. ويعزو المهداوي هذا التحول في المنصة المخصصة لطلبات تجديد البطاقات إلى وجود عناصر داخل اللجنة المؤقتة تصفي حساباتها معه دون أن يعرف خلفياتها وأسبابها الحقيقية.
لكن حضور البقالي في هذه الجلسة الحاسمة أسقط كل التأويلات السطحية، وحمل في طياته رسائل سياسية ومهنية متعددة الاتجاهات؛ أولها أن خلافات منح البطاقة المهنية لم تكن سوى انعكاس لصراع أعمق داخل اللجنة بين معسكر يقوده يونس مجاهد وآخر يتموقع فيه البقالي، وثانيها أن نزع الصفة المهنية عن المهداوي لم يكن توجها رسميا عاما للدولة، بل جزءا من صراعات أفراد داخل الأجهزة المهنية، يريدون توريط القضاء في صراعاتهم من أجل التموقع وحرب البقاء للأقوى وليس للأفضل.
المشهد اليوم يعيد إلى الأذهان واقعة سابقة بطلتها اللجنة نفسها، عندما فُتح النقاش حول الاعلامي رضوان الرمضاني الذي لا يتوفر على بطاقة مهنية رغم موقعه البارز. حينها تدخل يونس مجاهد بصفته رئيس المجلس الوطني للصحافة في خرجة إعلامية عبر إذاعة يديرها الرمضاني نفسه، تلك الإذاعة التي، وللمفارقة، استضافت وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وتحدث عبرها عن خصومته مع المهداوي، في ما اعتبر مؤشرا إضافيا يكشف بوضوح خريطة المعسكرات وحقيقة الصراع. يونس مجاهد أكد خلال استضافته أن غياب البطاقة لا يسقط صفة الصحافي، في خطوة قرأها كثيرون على أنها دفاع ضمني عن الرمضاني في مواجهة الهجوم الذي شنه عليه المهداوي عبر مناظرة شهيرة على اليوتيوب.
منذ تلك اللحظة، دخل المهداوي في دوامة متواصلة من التضييق والتشهير. وعندما حان موعد تجديد البطاقات المهنية، وجد طلبه مرفوضا، وهو ما اعتبره كثيرون تصفية حسابات هدفها معاقبته بسبب موقفه من قضية الرمضاني، وإزاحته من خانة الصحافيين المهنيين ليصبح مجرد يوتيوبر في أعين خصومه.
لكن في جلسة المحاكمة الأخيرة، جاء البقالي ليؤكد ضمنيا الشرعية المهنية لحميد المهدوي ، وليتابع وقائع المحاكمة عن قرب، مراقبا عن كثب أجوبة زميله أمام ممثل النيابة العامة، وهي الأجوبة التي اعتبرها العديد من المتابعين دقيقة ومهنية وتعكس احتراما صارما لقواعد المهنة. ورغم كل الانتقادات التي لاحقت البقالي في محطات عديدة، إلا أن موقفه في هذه المحطة سُجِّل لصالحه، باعتباره انحيازا لقيم المهنة في وجه محاولات تصفية الحسابات النقابية والسياسية.
كما أن البقالي، الذي تخلى مؤخرا عن عباءة الصحافة التقليدية واتجه بقوة نحو عالم البودكاست، أوصل رسالة أخرى ضمنية عن تحوّل المشهد الإعلامي الوطني، وانتقاله التدريجي نحو أدوات وتحديات رقمية جديدة قد تفتح جبهات مواجهة مختلفة مستقبلا. فمحتوى البودكاست الذي يقدمه حظي باستحسان العديد من المتابعين، حتى من بين خصومه الذين يختلفون معه سياسيا أو نقابيا، ما يعكس دينامية التحولات الجارية داخل المشهد الإعلامي المغربي.
الأكيد أن الحضور الرمزي لعبد الله البقالي داخل جلسة الحسم في ملف المهداوي لن يمر دون قراءات سياسية في كواليس الجسم الصحافي، خاصة في ظل التحضيرات المقبلة لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة، حيث يُتوقع أن يشتد الصراع بين معسكرات تقليدية تسعى للحفاظ على نفوذها، وأخرى تحاول إعادة تشكيل موازين القوى في القطاع.

شارك هذا المحتوى