
الأنباء بوست/ حسن المولوع
بات عبد الله البقالي، العضو البارز في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، نموذجًا حقيقيًا للمحسوبية والزبونية في المشهد السياسي المغربي. فالرجل الذي كان يُفترض أن يكون حاميًا لمبادئ الحزب الذي أسسه علال الفاسي، أصبح اليوم يدير دفته كما لو كانت ملكية خاصة، إذ يسعى من خلالها إلى ضمان مقعد لابنته في البرلمان، عبر فرضها على اللائحة الوطنية للشباب في الانتخابات التشريعية المقبلة.
ورغم أن لا أحد يقلل من مستوى ابنة البقالي، الحاصلة على شهادة في التسويق وإدارة الأعمال من جامعة الأخوين بإفران، فإن استخدام هذه الشهادات لتثبيت مكان لها في المشهد السياسي من خلال “الوساطة العائلية” يتناقض تمامًا مع القيم التي لطالما تشدق بها حزب الاستقلال. هذا الحزب، الذي فيه أمثال البقالي، يتحول تدريجيًا من “حزب الاستقلال” إلى “حزب الاستغلال”، حيث تُفرض المناصب والمقاعد بناءً على المحسوبية، لا الكفاءة.
وإذا كانت ابنته قد تخرجت بمؤهل أكاديمي، فإن ما فعله البقالي يعكس ببساطة توظيف المنصب الحزبي لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يفرغ الحزب من محتواه الأصلي الذي كان يُفترض أن يعمل على خدمة الأجيال الشابة بعيدًا عن ممارسات الزبونية.
وإذا كان البقالي يظن أن الأمر ينتهي عند هذا الحد، فهو مخطئ. ففي الوقت الذي يعكف فيه على ترتيب مداخل ابنته إلى البرلمان، نجد أنه لا يتورع عن استخدام منصبه في النقابة الوطنية للصحافة المغربية ورئاسة لجنة منح البطاقة المهنية للصحفيين، ليصبح أحد أكبر معوقات تطوير الصحافة المغربية. فلا يتردد البقالي في الامتناع عن منح بطاقات الصحافة للصحفيين الشباب الذين ينتقدونه، ويستغل نفوذه لضرب كل من يعارضه، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل الصحافة المغربية.
الحديث عن البقالي لا يكتمل دون العودة إلى حادثة هامة كان بطلها الراحل محمد الوفا، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة. ففي سنة 2014، وفي تصرف غير مسؤول وصبياني، عمد البقالي إلى نشر تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، يتهم فيها الوفا بتقاضي مبلغ 5 ملايين درهم عندما كان “مسؤولًا شبحًا” في شركة الرسالة. كان حينها البقالي برلمانيًا عن حزب الاستقلال، وطالبه أيضًا بالكشف عن ممتلكاته، والبدء بالتصريح من أيام دراسته في الرباط وصولًا إلى لحظته البرلمانية. لكن الوفا، رحمه الله، لم يفوت فرصة النبش في سيرة عبد الله البقالي واتهمه بـ”ضعيف المردودية” في الصحافة، ومع ذلك تدخل للحيلولة دون طرده من جريدة “العلم” لأنه كان مسؤولًا في الشبيبة الاستقلالية، متوعدًا إياه بأنه سيكشف أشياء عن زوجة البقالي في فرصة قادمة.
كما رد الوفا بكل شجاعة على البقالي، قائلاً إنه سيكشف عن ممتلكاته ووعد إحدى المنابر الإعلامية بالقول: “وأعدكم بأنكم ستحصلون على جرد شامل لها”، وأضاف بقوة: “أبشر يا عبد الله البقالي، سألبّي نداءك”. فكيف لعبد الله الذي كان يتفاخر في كل فرصة بمحاربة فساد الآخرين أن ينزعج من الانتقادات؟ ويحق لنا اليوم أن نطرح تساؤلات حول ممتلكاته هو ايضا .
اليوم، الصحافيون يطالبون البقالي بالكشف عن ممتلكاته كما طالب بذلك الوفا، وأيضًا يطالبونه بالرحيل من منصبه لأنه ببساطة فشل في مهمته: لم يحسن إدارة قطاع الصحافة، وأضاع الفرص في إصلاحه.
البقالي لم يعد فقط رمزًا للمحسوبية داخل حزب الاستقلال، بل أصبح معرقلًا حقيقيًا لكل خطوة نحو التغيير والشفافية في الصحافة المغربية. ومهما حاول التهرب من المحاسبة أو استخدام النفوذ للضغط على المنتقدين، فإن الحقيقة ستظل ساطعة: وهي أن عبد الله البقالي ليس الرجل المناسب لهذا المنصب، وعليه الرحيل الآن.

شارك هذا المحتوى