
الأنباء بوست
تسبب العثور على رأس حمار مسلوخ ليلة الأحد – الاثنين بالقرب من حمام الفن بمقاطعة سباتة في الدار البيضاء في حالة من الهلع وسط السكان، وهو ما أعاد إلى الواجهة من جديد ملف الذبح السري للحيوانات المحظور استهلاك لحومها، وكشف عمق الفوضى التي تضرب منظومة المراقبة الغذائية في المغرب، حيث تصبح صحة المواطن مباحة في أسواق سوداء تنمو في صمت مطبق من السلطات المعنية.
في أعقاب هذا الاكتشاف الصادم، حلت بعين المكان عناصر الشرطة العلمية والسلطات المحلية، وفتحت تحقيقاً أولياً لمعرفة ملابسات الحادث وظروف التخلص من الرأس المسلوخ في هذا الموقع. غير أن الحضور الأمني الظرفي لا يخفي عمق الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها هذا القطاع، حيث تتحرك مافيات الذبح السري منذ سنوات في الظل دون رادع فعلي.
العثور على رأس الحمار لا يمثل حادثا معزولا، بل يعكس واقعا خطيرا يتمدد في الظل. ففي عدد من الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، وعلى رأسها سباتة ودرب السلطان والأحياء المجاورة، تنتشر محلات بيع اللحوم تحت مسميات مختلفة، في مقدمتها ما يُعرف بلحوم “الحصان”، حيث تقدم سندويتشات بأسعار مغرية تستقطب الآلاف من الزبائن يوميا، في حين أن جزءا من هذه اللحوم مجهول المصدر، وقد يكون في كثير من الحالات لحوم حمير أو كلاب أو خيول تُذبح بعيدا عن أي مراقبة صحية أو بيطرية.
وراء هذه التجارة المريبة، تنشط شبكات الذبح السري في أقبية ومسالخ سرية، حيث تُذبح الحيوانات في ظروف كارثية، ويتم سلخها وخلط لحومها مع لحوم أخرى، ثم ضخها في السوق الاستهلاكي الشعبي بدون أي فحص بيطري ولا رخص قانونية. الجريمة هنا لا تتعلق فقط بخرق القانون، بل بتهديد مباشر لصحة المستهلكين، في ظل إمكان انتقال أمراض خطيرة من هذه اللحوم الملوثة إلى المواطنين.
إن ما جرى في سباتة ليس سوى عينة من مستنقع أكبر يضرب مختلف المدن المغربية، حيث صارت الرقابة الصحية في حالة غيبوبة مزمنة، وحيث تتحول الدولة إلى مجرد متفرج على جريمة غذائية مفتوحة تمس الأمن الصحي للبلاد.
أمام هذا الواقع الصادم، لم يعد السؤال يتعلق بمدى خطورة الذبح السري فقط، بل أصبح يتعلق بخطورة غياب الدولة نفسها، حين يصبح جسد المواطن المغربي سلعة يومية في مزاد إجرامي بلا حسيب ولا رقيب. وحين يغيب الردع وتنهار الرقابة، تتحول صحة المجتمع إلى رهينة في يد عصابات تقتل ببطء وبصمت، بينما السلطة السياسية تدفن رأسها في رمال التجاهل.

شارك هذا المحتوى