
ذ.مراد أحتي / باحث في السياسات العمومية
لاشك أن كل متتبع لما تشهده الساحة الدولية من تفاعلات لاسيما بين الجزائر والمغرب سوف يتساءل حول ما هي خلفيات اتخاذ النظام الجزائري لقرار إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية؟ لاسيما أن العلاقات الدبلوماسية أصلا مقطوعة من قبل، وهو ما قد يثير استغراب جل المواطنين في كلا الشعبين الشقيقين.
فبعد 46 سنة من استقبال الجزائر لعصابة “البوليزاريو” وتمويلها ودعمها بالأسلحة تشبث المغرب بخطاب الأخوة وحسن الجوار، ورغم قرار النظام الجزائري بقطع العلاقات مع المغرب، تأسف هذا الأخير للقرار الانفرادي معلنا بقاءه كشريك أساسي للشعب الجزائري، كما أن صاحب الجلالة على إثر وفاة الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة أرسل برقية تعزية لتبون الرئيس الحالي للجزائر مؤكدا له على رقي المغرب وتبنيه لخطاب العقلانية الحكمة والمصلحة المشتركة، إلا أن نظام العسكر السياسي على منواله الدائم قرر مجددا مواصلة استفزازاته لجاره المغربي بقرار يفتقد للمشروعية الشعبية.
إن قرار الجزائر بإغلاق المجال الجوي وخروج مسؤولين أمنيين جزائريين بتصريحات تعتبر تهديدا مباشرا للمغرب في غياب لأي أسباب واقعية ملموسة أو منطقية، ليس بالأمر المفاجئ للباحثين والمهتمين بالحقل الدولي بصفة عامة وبالعلاقات المغربية الجزائرية بصفة خاصة، بل إن مجموعة من الدارسين والخبراء تنبؤوا بمثل هذه التصرفات غير المشروعة وبأكثر من ذلك.
وإلى يومنا هذا لاشك أن العسكر الجزائري سيستمر في عملية البحث عن أسباب وسياقات ومبررات للتصعيد العسكري ضد المغرب، هذا الأخير الذي يدرك خلفيات وحقيقة مجريات الأحداث، وهو ما يفسر تشبثه بخطاب الحكمة، لأن أي رد فعل مغربي تصعيدي سوف يعتبر هدية على طبق من ذهب للنظام الجزائري، الذي يحتاج إلى أية فرصة لخلق “البوز” أمام شعبه في إطار “البروباغاندا” من جهة، وقصد تصدير أزمته الداخلية من جهة أخرى، فهو يدرك أن الشعب الجزائري في غليان شديد بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية المتعارف عليها وصلت إلى حد ندرة بعض المواد الغذائية الأساسية، ناهيك عن مشروع جمهورية القبايل التي تتجه نحو كسب إعتراف دولي رسمي بها نظرا لتوفرها على كافة أركان الدولة القانونية من إقليم وشعب وسلطة سياسية.
ولفهم هذا القرار الجديد والمتوقع لابد من الانتباه إلى سياقه الدولي، فالمغرب الذي دخل في أزمة غير مسبوقة مع اسبانيا وعبرها مع دول الاتحاد الأوربي، قد استطاع إعادة بناء هذه العلاقات، بل تمكن من بعث دماء جديدة فيها من خلال تأسيسها على علاقات الشراكة والتضامن بدل التبعية التي لازالت تحكم الجزائر، فاسبانيا رفضت استقبال زعيم البوليزاريو غالي “ابن بطوش” مرة ثانية مما أجبره على الاتجاه نحو كوبا، وهو ما يثبت تقبل الاتحاد الأوربي للمغرب الجديد أي مغرب اليوم بدل مغرب الأمس، في مقابل تهميشه لإرادة النظام الجزائري رغم محاولة هذا الأخير استغلال ورقة الغاز لتوجيه الموقف الاسباني إلا أنه فشل في ذلك، فأوربا اختارت المغرب كشريك رئيسي بدل الجزائر، لاسيما بعدما رفضت المملكة مخاطبتها بخطاب ضبابي، فاسبانيا رفضت الانزلاق مجددا وستتفادى ارتكاب أي خطأ دبلوماسي تجاه المغرب، وهو ما ساهم في فقدان النظام الجزائري لصوابه.
فهذا القرار إذن هو تعبير صريح ومباشر عن فقدان العسكر السياسي الذي يحكم الجزائر للبوصلة، فأوربا انحازت للمغرب وأمريكا وبريطانيا وإسرائيل وباقي الدول الأنجلوسكسونية الحليفة لأمريكا على رأسها أستراليا ناهيك عن الدول الإفريقية، كل هذه العوامل التي كان من المفترض أن تدفع النظام الجزائري لو كان يحتكم للعقل إلى التريث قليلا وإعادة النظر في سياسته الخارجية العدوانية حيال جاره الغربي، على العكس جعلته يستمر في استفزازاته الواهية والمجانية للمغرب، ومن عوامل ذلك استمرار العسكر الذي يحكم الجزائر في إتباع مجموعة من الحمقى الآخرون الذين يحكمون إيران التي سوف تدمر الجزائر بتدخلاتها وتأثيراتها من خلف الستار.
إن النظام الجزائري بهذا القرار وقبله قرارات متعددة أثبت للمواطن العادي قبل الباحث والخبير أنه أصيب بمرض “عقدة المغرب”، وأن هدفه هو الوصول إلى حرب خارجية بين كلا الطرفين، وذلك كي ينجح في الحفاظ على التماسك والتلاحم الاجتماعيين، من خلال تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، فقرار الإغلاق الفوري للمجال الجوي الجزائري على الطائرات المدنية أيضا إلى جانب الحربية يثبت كل ما سبق، فلو كانت الجزائر متخوفة فعلا من المغرب ولو كان هذا الأخير يشكل خطرا على أمنها القومي فلماذا أغلقت المجال الجوي على الطائرات المدنية المخصصة لنقل المسافرين من وإلى الدول الإفريقية ودول الشرق المتوسط؟ ولكن منع المجال الجوي حتى على الطائرات المدنية المغربية والطائرات ذات رقم تسجيل مغربي هو الذي يثبت بالملموس مدى صحة كل صفات العدوانية والهمجية والتهور التي تطبع نظام العسكر الجزائري السفيه، وأقول سفيه لأنه يبذر فرص وأموال الشعب الجزائري فيما لا يعود بالنفع عليه، خاصة مليارات الدولارات التي تم استنزافها من قبل عصابة البوليزاريو بدل الشعب الفلسطيني الذي يدعي العسكر الجزائري أنه يدافع عنه.
وعلى سبيل الختم فالنظام الجزائري سيبحث عن تقنيات أخرى ووسائل جديدة لخداع الشعب الجزائري وتمويه الرأي العالمي لاستفزاز المغرب، وبعدما أكد هذا الأخير رصانته وتشبثه بالحكمة، فمن غير المستبعد أن يتطاول النظام الجزائري ويقوم باستفزازات عسكرية مباشرة للجنود المغاربة في الحدود، في تعبير صريح وإعلان واضح للحرب، وفي هذا السياق لابد أن يرد المغرب عن أمنه القومي ووحدته الترابية، ولاشك أن الخاسر الوحيد من الحرب هو الشعب الجزائري، لأن العسكر الذي يحكمه لا يفكر سوى في مصلحته المتمثلة في الكراسي ونهب المال العام، بالإضافة إلى محاولة انتقامه تحت قيادة شنقريحة من المغرب الذي اعتقله هذا الأخير مرارا وتكرارا وأطلق سراحه بعد محاولات وساطة من دول عربية مما أصابه بالحقد والعقدة.
أما المغرب وبعيدا عن لغة العاطفة فبطبيعة الحال سيربح الحرب لكونه حليفا استراتيجيا لقوى تحكم العالم متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لاسيما بعدما وقع معهما اتفاقا بموجبه تتعاون هذه الدول على حماية الأقاليم الصحراوية المغربية وتشجيع ازدهاره وتنميته مع مساعدته على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، فكيف ستتحمل الجزائر حربا دون تمويل ومباركة صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسه؟ فهي التي وجهت الدعوة إلى 44 دولة لحضور مؤتمر النقد والمال الذي انعقد في “بريتن وودز” في 22 يوليو1940، ولكن الراجح هو أن المنتظم الدولي خاصة حلفاء المغرب لن يدعوا الأمور تصل إلى هذا الحد، وإذا فشلوا في ذلك فإن البديل هو دعم المغرب حتى النصر كما وقع في حرب الرمال، بالإضافة إلى تحميل النظام الجزائري مسؤولية الخسائر الناتجة عن الحرب.

شارك هذا المحتوى