الأستاذ نور الدين الرياحي
في زمن كرونا و لياليه الصعبة و اخبار المآثم و الوفيات و الازمات يطلع علي في ضحى هذا اليوم الجميل صديق و اخ عزيز و توأمي في حب الشعر و الادب كما يريد ان يسمي نفسه و قبل ان تحركني قوافيه و تحلق بي في سماوات العشق و الالهام ابى الا ان يصاحب قصيدة شقرائه التي تسأله عن اصله ليقول لها بتلك اللغة الشعرية العصية :
أنا المغربي
شقراء على الحدود تسأل
أين ديارك أين تسكن ،
فحاجباك وشعرك الأفحم
تنطق ؛ أنا عربي وتعلن ،
ينطقها عسجد فيك يضرم
وعلى محياك القمحي تهجن ،
فمن أي عرب يا عاشقي
فرعوني أنت ، من مغرب أم عدن ،
قلت أطارقا لم تذكري
لما أقام فيكم وطن ،
سلي قرطبة سلي
لمن مآذن الحمراء تحن ،
سلي أندلسا من كان
على صهوات الجياد والسفن ،
سلي الشعر على الجدران
من أنطقه عربية من يكن ،
سلي لحظك العسلي
من لين الزرقة فيه من ،
وعن بياض فيك باهت
من لونه سمرة من ،
سلي آيات على المآذن
كيف تغنت بالتقى وآنا تئن ،
وهادي مآذن الحمراء قد خرست
وعادت كنائس بالأجراس تطن ،
سلي ولادة سلي
لما هوى ابن زيدون وسن ،
لما التنائي غدا بديلا
عن عشق ، ليته ما بان أو تبن ،
سلي ولادة عن شعرها والقبل
لمن صعرت صحن خذها لمن ،
وسلي ابن زيدون لما قد هجر
ألخذ استبيح أم أنه قض من وهن ،
فما عادت ولادة تنظم شعرا
وما عاد ابن زيدون يهوى أو يحن ،
فأنا من له بين البحرين وطن
وأنا من له في الصحراء وكن ،
فهم رجال من وطني
من بنوا لك أوطانا ولي وطن ،
فلا تسأليني عن وطني
وعن دياري ومن أكن ،
فكل الورد في أوطانكم
وطني من رواه ، فسلي الزمن ،
فأنا مغربي فلا تسألي
فحضارتي قالت من أكن
و ان تناسى عن قصد الشعراء او غير قصدهم بانها كذلك مغربية و لو كان لونها القمحي الذي يشبه قمح الفلاحين الذي تغير لونه شمس بلادنا الدافئة في سنوات الخير و ترجعه شبيها بلون الشقراء التي و ان احتفظ شعرها بلونه الازعر و قامتها الفارهة و شفاهها المكتنزتين عن لؤلؤ باسم التي ود يوما عنترة العبسي تقبيل السيوف لما لمعت كثغر عبلة .
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ………… وبيض الهند تقطر من دمي
فودتت تقبيل السيوف لأنها ………. لمعت كبارق ثغرك المتبسم
و يأبى شاعرنا الا ان يغوص في عوالم خياله المتعطش و حرمانه و يبدأ قصيدة الملقاة بموسيقى انساك التي اثارتني و لي معها قصص طويلة منذ كنت شابا اسهر ليالي الدراسة و من كثرة ترديدها حفظتها على ظهر قلب تاركا كراسات الدراسة و مستلقيا احصي آهات ام كلثوم اكثر من فصول القانون .
و كلما فاض بي حنين انساك كلما بحثت على شاعرها الذي لا يقل شاعرنا عنه رهافة حس و اعتزازا بالنفس إذ لولا الظروف التي خطها الله له و لام كلثوم ما خرجت رائعة انساك للوجود و التي عاصرت ظروفاأليمة للرياعي الشيخ زكرياء احمد عميد الموسيقى الشرقية و الشاعر مأمون الشناوي و ام كلثوم و بليغ حمدي الذي كان في اوج انطلاقته .
و شاء القدر انه بعد موت بيرم التونسي الذي ظل عشر سنوات يراود الشيخ زكرياء احمد ان يصالح ام كلثوم عقب خلاف فني بينهما وصل الى محاكم القاهرة و امتنع عدد كبير من المحامين عن النيابة عليهما درجة انتداب محامين آخرين من طرف المحكمة نفسها التي خاطبهما رئيسها و ام كلثوم في يمين الصف و الشيخ زكرياء احمد يرتدي بيريته الأنيقة في الشمال و بعد المناداة عليهما :
جرح نفسه في البت في مثل هذه القضية التي امتدت سنوات دون ان يجرأ اي قاضي ان تكتب في صحيفته بانه حكم على ام كلثوم او الشيخ زكرياء احمد بالقول :
انني من معجبي السيدة ام كلثوم كوكب الشرق و الصوت الذي اوصل الفن الراقي الى العالم و معجب بموسيقى الشيخ زكرياء احمد الذي لحن منه و اغنية من ام كلثوم تساوي كل الدنيا .
و بعد سماع خطاب القاضي النزيه الذي قال بان لو ان القانون اسعفه في فرض صلح لما تردد في ذلك .
و سأل ام كلثوم في الجلسة حول الشيخ زكرياء :
فقالت ان موسيقى الشيخ زكرياء التي تحدثت عن إعجابها بها رئاسة المحكمة لا يوجد في مصر اكثر اعجاب منها من اعجاب ام كلثوم .
و التفت الشيخ زكرياء من الصف الاخر يقول على انه اذا كانت المحكمة معجبة بصوت ام كلثوم قراطا واحد فهو معجب بها اربع و عشرون قراطا و لم لا خمسة و عشرون ؟
و نهض مصافحا ام كلثوم :
انا الاكبر منك سنا انا البادئ بالصلح و انتهى ذلك الصراع الذي احتضنته محاكم القاهرة عشر سنوات بذلك اللحن الجميل الذي غنته ام كلثوم للشيخ زكرياء من جديد و بيرم التونسي الذي حمل اليها ذات صباح اغنية :
هو صحيح الهوا غلاب ؟
فظنت ام كلثوم في البداية انه يسائلها؟
و قالت له منين اعرف ؟
لانها لم تكن بعد قد تزوجت بعد قصة الحب الصامتة زوجها الدكتور حسن الحفناوي.
هو صحيح الهوى غلاب
ما اعرفش انا
والهجر قالوا مرار وعذاب
واليوم بسنة
جاني الهوى من غير مواعيد
وكل مادا حلاوته تزيد
ما احسبش يوم ح ياخدني بعيد
يمني قلبي بالأفراح
وارجع وقلبي كله جراح
ازاي يا ترى
اهو ده اللي جرى
وانا ما اعرفش
ما اعرفش انا
نظرة وكنت احسبها سلام وتمر قوام
اتاري فيها وعود وعهود وصدود وآلام
وعود لا تصدق ولا تنصان
عهود مع اللي ما لوهش امان
وصبر على ذله وحرمان
وبدال ما اقول حرمت خلاص
اقول يارب زدني كمان
ازاي يا ترى
اهو ده اللي جرى
وانا ما اعرفش
ما اعرفش انا
يا قلبي آه
الحب وراه
اشجان والم
واندم واتوب
وعلى المكتوب
ما يفدش ندم
ياريت انا اقدر اختار
ولا كنت اعيش بين جنة ونار
نهاري ليل وليلي نهار
اهل الهوى وصفوا لي دواه
لقيت دواه زود في اساه
ازاي يا ترى
اهو ده اللي جرى
وانا ما اعرفش
ما اعرفش انا
و قال بيرم انه مطلع الاغنية التي سيلحنها الشيخ زكرياء .
و لحنها فعلا لكن الوفاة داهمت شاعرها بيرم التونسي الذي لم يستمع اليها .
و في عز الم الشيخ زكرياء الذي تجمعه اخوة عمر بينه و بين بيرم الذي فعل المستحيل من أجل فض الخلاف و خروج هذا اللحن الى الوجود و في عز كآبة زكرياء احمد اتاه الشاعر الكبير مأمون الشناوي بكلمات :
انساك ده كلام ؟
و هو مطلع استفهام يجيب عليه الشاعر !
كهو صحيح الهوى غلاب لرفيق عمره بيرم .
و شعر عميد الموسيقى بانه تلميح لحب بيرم مما لم يتردد هنيهة واحدة للذهاب لام كلثوم عارضا عليها الاغنية لاعادة اللقاء بعد خلاف معها دام سنوات من أجل اغنية الربيع المشهورة التي غناها الموسيقار فريد الاطرش عندما ذهب بها مأمون الشناوي الى ام كلثوم فارادت تغيير بعض المقاطع فيها .
الشيئ الذي رفضه مأمون الشناوي آنذاك المعتز بشاعريته و فضل اعطاءها لفريد الاطرش التي اكتسب بها عمادة شم النسيم لمدة 25 سنة حتى وفاته .
و كان مأمون الشناوي في عز فرحته بان ام كلثوم لم تغير كلمة من انساك ربما لتنازل عن كبريائها مع السنين و احترام حساسيات الشعراء و الملحنين لابداعاتهم بعد نضجها الفني .
الا ان الاقدار كادت ان تلقي بأنساك في غياهب النسيان لولا رباطة جأشها من صاعقة خبر الموت المفاجئ للشيخ زكرياء الذي ابى الا ان لا يعيش بعد وفاة من كان يسمي نفسه معه كحافظ ابراهيم و احمد شوقي .
و بكى مأمون حظه امام كلثوم و لم يستسغ بعد كيف انه بعد سنوات من الجفاء معها بسبب اغنية آدي الربيع و بعد إعطاء انساك للشيخ زكرياء سوف لن يتحقق الحلم بوفاته .
لكنها افهمته بان الشيخ زكرياء كان أعظم شيئ في حياته هو اخلاصه لفنه و ان اجمل عزاء لهما الاثنين ان تخرج انساك الى الوجود بلحن موسيقار شاب كان يتحسس بخطى ثابثة مشواره الفني و الذي كان بليغ حمدي .
فخرجت للوجود انساك التي ابى شاعرنا في هذا الصباح ان يقدم القاء قصيدته في الشقراء بموسيقاها التي حركت قلم المذكرات و رجعت به الى ما سماه ثنائية القصص الغرامية التي علق عليها على مقالي الاخير عن لو سالومي لعله يجد فيه اجابة و اجد في انساك ذكريات .
أنساك..! ده كلام..؟ أنساك..! يا سلام..!
أهو ده اللى مش ممكن أبداً. ولا أفكر فيه أبداً
ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدأ
أهوده اللى مش ممكن أبدأ
ولا ليله ولا يوم.. أنا دقت النوم ..أيام بعدك
كان قلبك فين؟..وحنانك فين؟.. كان فين قلبك؟
أنا أنسى جفاك وعذابى معاك ما أنساش حبك
أنساك ده كلام انساك يا سلام
واحب تانى ليه وأعمل فى حبك إيه
ده مستحيل قلبى يميل ويحب يوم غيرك أبداً
أهو ده اللى مش ممكن أبداً
ذكريات حبي وحبك ما انساهاش هى أيامى اللّى قلبى فيها عاش
فيها أحلام قلتها وحققتها لى فيها أحلام لسه أنا ما قلتهاش
اللى فات من عمرى كان لك من زمان
واللى باقى منه جاى لك له أوان
وأحب تانى ليه وأعمل فى حبك إيه
ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبداً
أهو ده اللى مش ممكن أبداً
كان لك معايا اجمل حكاية فى العمر كله
سنين بحالها ..ما فات جمالها..على حب قبله
سنين ومرت زى الثوانى فى حبك انت
وإن كنت أقدر أحب تانى أحبك انت
كل العواطف الحلوة بينا كانت معانا حتى في خصامنا
وإزاى تقول أنساك وأتحول وأنا حبي لك أكتر من الأول
واحب تانى ليه وأعمل فى حبك إيه
ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبداً
أهو ده اللى مش ممكن أبداً
و هي أجمل حكاية فعلا شاعري العزيز و هي ثنائية غرامية بدون واو العطف كما ارادتها شقراء قصيدتك و لونها القمحي اغاثنا الله سبحانه و تعالى بغيثه النافع في زمن الجفاف لنستمتع بنعمته و الوانها .
مذكرات نور الدين الرياحي
11 اكتوبر 2020
شارك هذا المحتوى