الأنباء بوست / حسن المولوع
وظفت حكومة عزيز أخنوش حزب الاستقلال المشارك معها في الأغلبية الحكومية ، للقضاء على حرية الصحافة بالمغرب والانتقام من كل صحافي مزعج من خلال المصادقة على مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر.
ويعد حزب الاستقلال هو أول حزب سياسي مغربي تأسس للحصول على استقلال المغرب ، و ارتبط ظهوره بمقاومة المغاربة للاستعمار الفرنسي ، وكان يعرف في البداية بـ«كتلة العمل الوطني»، التي كان يترأسها الزعيم علال الفاسي منذ العام 1937 ثم ولادة الحزب في 11 يناير 1944 و بقي قائدا له حتى تاريخ وفاته في العام 1972 وخلفة الزعيم محمد بوستة الذي عُرف بمواقفه الصلبة والثابتة و بتصديه الشرس لوزير الداخلية المكلف بالإعلام إدريس البصري .
مرت السنون وما تحمله من تاريخ نضالي مشرف لهذا الحزب الوطني ليصل هذا الزمان الذي أضحى فيه هذا الحزب أداة في يد الحكومة، يتم توظيفه للقضاء على حرية الصحافة وذلك عبر استعمال أحد قيادييه وهو الإستقلالي عبد الله البقالي لتنفيذ هذه المهمة .
لقد عمدت هذه الحكومة التي وصفها الكات الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، إدريس لشكر ، بحكومة التغول، (عمدت ) إلى المصادقة على مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، ما خلف ردود فعل رافضة من هيئات صحافية وسياسية، انتقدت عدم اللجوء إلى تنظيم انتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة بدل إنشاء لجنة مؤقتة تخالف دستور المملكة المغربية خاصة في فصله ال 28 ، وعينت ضمن هذه اللجنة الإستقلالي البقالي مدير نشر جريدة العلم ورئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، ليترأس لجنة منح البطاقة المهنية داخلها، ويقرر وحده في منحها ويكون بالتزامن مع ذلك عضوا مقررا في لجنة الأخلاقايات كما كان هو الحال في ولاية المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته .
ولطالما نادى العديد من الصحافيين والصحافيات في ذلك الوقت عبر مقالات منتقدة للوضع ، بأن عبد الله البقالي يوجد في حالة تنافي واضحة، إذ لا يمكن أن يكون هو الخصم وهو الحكم ، وبالرغم من ذلك فالحكومة أبت إلا أن تعينه لتنفيذ مهمة ما، يجهلها الجسم الصحفي لحدود الآن ، ويتخوف منها .
وبما أن عبد الله البقالي هو الرئيس المعين من طرف الحكومة بلجنة منح البطاقة المهنية ضمن اللجنة المؤقتة المذكورة ، فإن أي صحافي يكتب ضد الحكومة أو اي عضو فيها، سيكون لزاما على البقالي أن يمتنع عن منح البطاقة للصحافي ، واذا ما اراد هذا الأخير الإلتجاء إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية من أجل مساندته والتدخل من أجل العدول عن قرار الامتناع ، فإن هذا الصحافي سيجد عبد الله البقالي هو رئيس هاته النقابة التي تعد النقابة الأكثر تمثيلية للقطاع ، وبالتالي فهذه حالة تنافي واضحة وقد أكدها واقع الحال خلال الولاية السابقة للمجلس الوطني للصحافة.
وحتى لو كان أي صحافي قد منحت له بطاقة الصحافة المهنية من طرف البقالي ، فعندما سيكتب ضد الحكومة أو أي عضو فيها سيتم توظيف لجنة أخلاقيات المهنة ويتم استدعاء الصحافي، حينها سيجد عبد الله البقالي عضوا فيها وله سلطة القرار ضمنها، ويتم اتخاذ قرار بسحب البطاقة ، بمعنى أن البقالي هو المانح والساحب ، هو الخصم وهو الحكم ، وهذا التنافي هو في الأصل كان موجودا داخل المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته ، ومنذ العام 2018 تاريخ تنصيب المجلس، كان الغالبية من الصحافيين والصحافيات يشيرون إلى ذلك عبر مقالاتهم وينبهون إلى خطورة الوضع غير السليم ، وكان الصحافيون ينتظرون نهاية ولاية المجلس، وعند تقديم حصيلة هذا الأخير، يتم اجراء انتخابات جديدة لتجديد هياكله من أجل تصحيح الوضع ، لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن الديمقراطية ووجدت الحكومة الحالية أن هذا الوضع سيكون في مصلحتها لذلك زكته، بمباركة حزب الاستقلال الذي يوجد في الأغلبية الحكومية والذي والى حدود كتابة هاته السطور لم يخرج بأي موقف بهذا الخصوص .
إن شخصا يتم تعيينه من طرف الحكومة وهي التي ستؤشر على منحه تعويضات شهرية ، لا يمكن إلا أن يكون في خدمتها ، فهي التي لديها سلطة التعيين والاعفاء ، وطبعا عبد الله البقالي لا يمكنه أن يمنح البطائق المهنية للصحافيين ولا بطائق القطار، للذين يزعجون الحكومة الموقرة ، وذلك خوفا على تعويضاته، وسيكون في خدمتها ورهن إشارتها .
صحيح انه توجد محكمة إدارية ، ويوجد قانون ولا أحد فوقه ، والصحافيون يثقون ثقة كبيرة في قضاء بلادهم ، لكن ما لا يعرفه الرأي العام ، أنه وبالنظر إلى الوضعية الاجتماعية للصحافيين والصحافيات ، فإن اغلبهم لا يمكنه توفير أتعاب المحامي والمفوض القضائي ، وليس لأغلبهم الوقت والنفس الطويل للمحكمة واجراءاتها من أجل الطعن ، ولذلك فالبقالي يستغل هذا الجانب من أحل التعسف فهو معروف بمزاجيته ومن ينتقده يستغل سلطته الإدارية ، ويمتنع عن منح البطاقة تحت شعار “جري طوالك”، وهناك نماذج كثيرة في هذا الباب ، وعندما يريد المتضرر من التعسف وتجاوز السلطة الالتجاء إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية من أجل الدفاع عنه او تكليف محامي للطعن ، فإنه سيجد الإستقلالي عبد الله البقالي هو رئيس هذه النقابة ، فهل سيرفع الضرر عن الصحافي وهو نفسه الذي أحدثه ؟ لا يمكن طبعا .
إن وضعية كهاته ، هي وضعية جد خطيرة ، تهدد حرية الصحافة بالمغرب ، وكان من المنتظر أن يقف حزب الاستقلال حصنا منيعا لحماية هذه الحرية التي تساهم في البناء الديمقراطي للبلاد ، لكن ركن إلى الصمت والسكوت علامة الرضى كما هو معروف ، فجميع القوى الحية ترفض مشروع قانون إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة وتدعو إلى إجراء انتخابات جديدة لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة لأن الصحافيين وحدهم من لهم الحق في اختيار من يمثلهم ، وهم وحدهم المعنيون بتعديل القانون وفق فلسفة التنظيم الذاتي للمهنة ، وتصحيح الوضع السابق ، لأنه من غير المقبول أن تكون هناك حالات التنافي داخل المجلس وتضارب المصالح فيه .
ان الضجة الكبيرة التي احدثها مشروع القانون هذا ، سيجعل هذه الحكومة تسلك طريقة احتيالية أخرى لحفظ ماء وجهها ، وهذه الطريقة تتجلى في الدعوة إلى التشاور مع مختلف التنظيمات المهنية ، وستصنع الاجماع بينها ، و حينها سيتم اعتبار ان الحكومة تشجع على عدم الفراغ فقط بدليل ان الجميع حاضر في هذه اللجنة المذكورة ، وسيتم تناسي أن اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة لا يجب ان تكون ، وما يجب ان يكون هو إجراء الانتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة.
إن ما يبدو جليا ، أن ما يهم التنظيمات المهنية ليس الدستور ولا مختلف القوانين، بل أغلبها تهمه التمثيلية داخل اللجنة فقط، عبر خلق التوافقات ، ومن يهمهم الدستور هم الصحافيون الذين لهم أجرتهم الشهرية فقط ونواب الأمة الذين تحركهم الغيرة الوطنية الصادقة ، وتهمهم مصلحة وطنهم بالدرجة الأولى وليس مصلحة الحسابات البنكية والمشاريع الخاصة البعيدة عن الاعلام
إن الصراع الحقيقي الموجود على الساحة بين التنظيمات المهنية ، هو صراع حول قانون الدعم، وهذا هو الصراع الغير معلن عنه ، وليس المجلس الوطني للصحافة كما يتم الترويج له ، وذلك يجري عبر قبعة الجمعية الوطنية للاعلام والناشرين التي دعم النقابة الوطنية للصحافة المغربية لضمان مقاعد لهذه الاخيرة داخل المجلس ، في مقابل ان تدعم النقابة الجمعية المذكورة في الدعم ، فما يحرك الجميع هو المصالح ، فالبقالي يسعى للتعويض داخل المجلس ، ونور الدين مفتاح وإدريس شحتان يريدان الدعم الذي تخصصه الحكومة للمقاولات الإعلامية ، ولهذا توجد معركة تكسير العظام بين الفدرالية المغربية لناشري الصحف التي يترأسها مفتاح الذي يرى أن البساط يُسحب منه، وبين الجمعية الوطنية للاعلام والناشرين التي يترأسها شحتان، وسينضاف إلى هذه المعركة تنظيم رابع بعد النقابة والفدرالية والجمعية وهو تنظيم تم تأسيسه مؤخرا يرأسه كمال لحلو تحت اسم الفدرالية المغربية لوسائل الاعلام دون أن ننسى التنظيم التابع للاتحاد المغربي للشغل الذي يدعم فدرالية مفتاح من أجل طبعا السعي وراء التعويض في مقابل دعم الفدرالية من أجل الدعم ، تماما كما الجمعية مع النقابة ، وهذا طبعا يتم عبر ترديد الأسطوانة المشروخة ” نحن ندافع عن الصحافيين من أجل تحسين وضعيتهم وتنظيم المهنة وحمايتها من المتطفلين “، فلا مهنة نظمت وحصنت ولا وضعية الصحافيين تحسنت ، وفي هذا الصدد تتم المزايدات في هذا الباب وتتواصل معركة تكسير العظام وكل هذا يتسبب في إنهاك المهنة والقضاء على ما تبقى من سمعتها .
وفي الختام “اللي صحافي راه صحافي بدون بطاقة الصحافة ولا بطاقة القطار ولا دعم ، يصنع نفسه بعيدا عن هاته التنظيمات ، ويكون ولاؤه للثوابت وللشعار الخالد “الله الوطن الملك” وليس للدرهم ولا للأشخاص ” وهذه هي الحرية والاستقلالية في أبهى تجلياتها ، اللهم ارزقنا القناعة
شارك هذا المحتوى