الأنباء بوست / حسن المولوع
طرح الدبلوماسي السابق محمد صالح التامك مجموعة من الأسئلة ضمن مقاله المنشور على وكالة المغرب العربي للأنباء ، وهو مقال جاء كتعقيب على تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بشأن العدالة وحرية الصحافة بالمغرب بعد ان صدر حكم في حق سليمان الريسوني الذي مدته 5سنوات .
ومن ضمن الأسئلة التي طرحها السيد التامك وهي “لماذا تلتزم وزارة الخارجية بالصمت القاتل بشأن ما يحدث في الجزائر الآن ؟ يقصد الخارجية الأمريكية (…) ولماذا كل هذه القسوة على المغرب في ظل الوضع الاقتصادي الراهن ؟
وليسمح لي السيد التامك بأن انوب في الجواب عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ما دام انه قال بان المتحدث المذكور سيكافح للعثور على إجابات لهذه الأسئلة ، وقبل جوابي حسب تحليلي المتواضع مقارنة مع المقام الدبلوماسي للسيد التامك الذي له خبرة في هذا الباب ، لابد من توضيح أمصر هام ، أن من حق المسؤول الأول عن مندوبية السجون أن يتفاعل مع الاحداث الراهنة في ظل غياب المثقفين وانزوائهم في خلواتهم بإرادتهم او عن غير إرادة ، وفي ظل أيضا غياب صحافة حقيقية تقوم بدورها الفاعل في المساهمة في صناعة القرار ، داخليا وخارجيا ، حتى الصحافة التي تدافع عن الأطروحة الموالية لبعض قرارات الدولة والتي يصفق صحافيوها كالحمقاء وبغباء منقطع النظير ليست لهم القدرة على اقناع موظف صغير بالإدارة الأمريكية لأنهم يغيب عنهم منطق نقاش الافكار ويحضر بدله منطق التخوين وتصويب الاتهام الجاهز ” الاشتغال لأجندات خارجية ” ، لتصبح لدينا صحافة فيها صراعات بين فريقين ، هذا الفريق يتهم الآخر بالتطبيل ، والآخر يتهمه بالخيانة (…) ، إذن ، من حق السيد التامك وغيره من المسؤولين أن يخرجوا للرأي العام ويساهموا في تحريك النقاش العمومي ، تحت غطاء أي صفة حتى ولو كانت الصفة التي تمنح بظهير ، فخرق واجب التحفظ في هذا الباب مباح تحت مسمى للضرورة أحكام ، هذا من وجهة نظري .
وجوابا عن سؤال السيد التامك أقول ، إن امريكا لن تقسو حاليا عن الجزائر من الناحية الحقوقية كما قست عن المغرب ، لأن لها مصلحة في الجزائر ، ومعلوم أن أمريكا ليس لها صديق بل لها مصالح ، ولا ينبغي في هذا الصدد أن ننسى زيارة رئيس الجيش الأمريكي المكلف بإفريقيا للجزائر ، وهي الزيارة التي حدثت قبل شهر من اعلان الرئيس الامريكي الاسبق دونالد ترامب اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، وتم استقباله استقبالا حارا من طرف الجزائريين ، وعندما نتحدث عن الجيش الأمريكي فإننا نتحدث عن الدولة العميقة لأمريكا ، ذلك أن الدولة العميقة هي الجيش والمخابرات …
والذي يغيب عن الأذهان أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تقوية علاقتها مع الجزائر ، مع جلدها في أحضانها ، إن شئنا أن نقول ، تمرغها من أجل الظفر بما تطمح إليه ، لأن الجزائر تمثل للأمريكيين مكسبا جيوسياسيا وجيواستراتيجيا ، ولأن لها حدود مع ليبيا ، وهي بلد بيترولي ولها حدود مع البلدان الإفريقية ، وتعتبرها أمريكا سدا منيعا لمحاربة داعش وضد الجهاديين والاسلام المتطرف ..
الآن أمريكا تعتبر ان المغرب قد حُسم أمره بذلك الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوقيع الاتفاق الثلاثي الذي جمع المغرب وأمريكا واسرائيل ، وتضع نصب عينيها الجزائر ، ولن تدخل معها في أي مواجهة وخصوصا من أجل المغرب ، ولن تدخل في مواجهة مع البوليساريو ، إضافة إلى ذلك فالجزائر من مصلحتها التقرب من أمريكا ، لأن لديها مشاكل مع فرنسا ، والذين يتابعون ما وقع قبل شهور سيجدون أن الجزائريين احتجوا على السفير الفرنسي وقالوا بأن هذا السفير هو الذي أزم الوضع في ليبيا ، أضف إلى هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنين وهي ترمي إلى أخذ مكان فرنسا وهيمنتها في إفريقيا ، وهذا يعني أن المغرب لا وزن له عند الأمريكيين من الناحية الجيوسياسية والجيوستراتيجية ، ويظهر على أن أمريكا ستتفاوض مع الجزائر على ظهر المغرب ، او لنقل اتخذت المغرب طريقا للوصول الى الجزائر عبر الاعتراف بمغربية الصحراء ..
في نظري خروج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في هذا التوقيت بالذات له تفسير واحد، وهو استغلال اقتراب عيد الأضحى وعيد العرش وعيد الشباب وثورة الملك والشعب ، وهي مناسبات يصدر فيها الملك العفو على مجموعة من المعتقلين ، وقد علم الامريكيون أن الملك سيصدر عفوه، لذلك انتهزوا الفرصة ليقولوا اننا ضغطنا على المغرب ليفرج عن عينة من المعتقلين ، وبذلك يساهمون في إضعاف المغرب ليقولوا ان القرار ليس بيده ، تماما كما فعلت أمريكا في عهد ترامب مع السعودية ، كان ترامب يمرغ كرامتها ويعتبرها مجرد بقرة حلوب ، وكان هدفه اضعافها لأنها تضم الاسلام السني والأرض المقدسة ، المدينة ومكة ، في المقابل يقوي الاسلام الشيعي عن طريق ايران والتلويح دائما بحرب لم ولن تقع ، بين ايران وامريكا .
لا ينبغي ان نتناسى بأن أمريكا دولة مصالح وليست دولة أصدقاء ، فليس في قاموسها صداقة دائمة او عداوة دائمة ، ولم تعتبر المغرب ولا أي دولة من دول العالم الثالث ، شريكا اقتصاديا ، بل تعتبره تابعا ، وهي متقلبة المزاج تتعامل بعقلية رعاة الأبقار المبنية على الابتزاز ، وخروج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيه ابتزاز واضح ، كأنه يقول إما أن تخضعوا لنا ولا توطدوا علاقتكم بالصين وإما نقوم بتجميد اعترافنا بالصحراء المغربية وستبقى قرارات مجلس الامن كسيف على رقابكم ، ونعاملكم كالتلميذ والاستاذ فيما يتعلق بحقوق الإنسان .
سيتفق معي السيد محمد صالح التامك ، بأنه يجب على المغرب تقوية جبهته الداخلية عبر إرساء ديمقراطية حقيقية ، تسود من خلالها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، وهذا لن يتأتى الا بتقوية دور الصحافة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ،حينها لن نهتم باعتراف امريكا بمغربية الصحراء لأنه سيكون لدينا جيل مؤمن بمغربيتها وسيدافع عنها ، لأن الصحراء لن يدافعها عنها الا أبناؤها، أي نحن ، وليس امريكا ولا فرنسا ولا إسرائيل، وسيتفق معي السيد التامك بأن المغرب فعلا يحتاج الا انفراج حقوقي ، حينها لن نبالي بأمريكا ولا غيرها ولن يفرح أي مغربي بالتدخل الامريكي وحشر أنفه في أي قضية ، كذلك سيتفق معي السيد التامك بأن المغرب يجب عليه أن يكون قوة اقتصادية وصناعية ويحل أزمة الشغل حتى لا تهاجر الأدمغة، ويحارب جميع الآفات الاجتماعية ..
أيضا سيتفق معي السيد التامك أن المغرب يحتاج الى صحافة حقيقية وصحافيون من الوزن الثقيل الذين يقولون الحقيقة بدون خوف من سجونه ليساهموا في صناعة القرار داخليا ويؤثرون في صناعة أي قرار خارجيا..
أعلم أن السيد التامك سيتفق معي ، وأعلم أنه سيجهر بالحق لأنه رجل وطني ويقول ان المغرب فعلا يحتاج انفراجا على كافة المستويات والأصعدة ، فالمغرب لن يكون قويا الا بأبنائه وبناته.
شارك هذا المحتوى