الأنباء بوست/ حسن المولوع
في زمن تحتاج فيه الصحافة المغربية إلى أصوات تحمل مشعل المهنية وتضع قضايا الشعب وهمومه في صدارة أولوياتها، برز نموذج رضوان الرمضاني كأحد تجليات الأزمة التي نخرت جسد الإعلام الوطني. فظاهرة الرمضاني ليست مجرد انحراف عابر في الأداء الصحفي، بل عنوان للسطحية والاستفزاز، حيث تختلط عنده الصحافة النبيلة باستعراض رخيص يلهث وراء الإثارة على حساب المهنية والموضوعية.
في إحدى خرجاته الإعلامية المستفزة عبر برنامجه الشهير، تجاوز الرمضاني كل الحدود المهنية والأخلاقية، ليصف حزب العدالة والتنمية بـ”الجماعة”. إذ هذا الوصف الخطير ليس مجرد رأي شخصي، بل إهانة مباشرة للمؤسسة الملكية التي تعاملت مع هذا الحزب باعتباره مكونًا شرعيًا في المشهد السياسي المغربي، بل وأسندت له قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين وفق مقتضيات الدستور والقانون. فهل يعي الرمضاني أن وصفه هذا يُسيء إلى قرارات أعلى سلطة في البلاد؟ وهل يدرك أنه بهذا التصريح المتهور يضع مصداقية النظام الملكي نفسه تحت المجهر، باعتبار أن الملك تعامل مع “جماعة” وفق مزاعمه؟
لم يتوقف الرمضاني عند حدود الإساءة لحزب المصباح، بل تمادى في أسلوبه الهجومي حين تطاول على عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، بأسلوب “زنقاوي” لا يليق بمقام رجل دولة حظي بتقدير خاص من طرف جلالة الملك. فبنكيران، الذي شكّل محطة مهمة في المشهد السياسي المغربي، واجه انتقادات كثيرة من مختلف الأطياف السياسية، لكن أن يصل الأمر إلى الإساءة الشخصية بأسلوب رخيص، فهذا يعكس إفلاس الرمضاني الأخلاقي والمهني.
وهنا يطرح سؤال حارق: هل أصبح التطاول على الرموز الوطنية هواية لمن لا يستطيعون تقديم محتوى إعلامي يحترم ذكاء المشاهد؟ وهل تحول الإعلام في المغرب إلى حلبة لتصفية الحسابات الشخصية بعيدًا عن أي ضوابط مهنية؟
الرمضاني، الذي يدّعي في برنامجه الدفاع عن حرية التعبير، يثبت في كل مرة أنه أكبر أعداء هذه الحرية. إذ يدعو إلى قبول الآراء المختلفة، لكنه في الدقيقة التالية يهاجم بوقاحة كل من يخالفه. وأيضًا يطالب بعدم شخصنة النقاش، لكنه يغرق في شخصنة تافهة تفتقر إلى أدنى درجات الرقي المهني. إذ أن تناقضه ليس مجرد هفوة عابرة، بل يعكس أزمة فكرية حقيقية لدى شخص ارتضى أن يكون نموذجًا للإعلام السطحي الذي يلهث وراء الاستعراض السطحي على حساب المصداقية.
أمثال رضوان الرمضاني ليسوا سوى أعراض لمرض أعمق أصاب الإعلام المغربي. في زمن أصبحت فيه المنابر الإعلامية تُدار كأنها حلبات للمصارعة بدلًا من أن تكون ساحات للصراع الفكري، فلقد احتل أشباه الصحفيين الواجهة وأُقصيت الأصوات النزيهة التي تضع الوطن والمهنة فوق كل اعتبار. ومع هذا الانحدار، تجرأت وسائل إعلام دول متخلفة على توجيه الانتقادات لنا صباح مساء، مستغلة حالة التراجع التي يمثلها أمثال الرمضاني.
لكن الأخطر من ذلك هو صمت النخبة الإعلامية والثقافية، التي تراقب هذا السقوط الحر دون أن تتحرك. فهذا الصمت يجعلها شريكة في تفشي الرداءة، ويضع مستقبل الصحافة الحرة في مهب الريح.
كيف لشخص مثل رضوان الرمضاني، لم يحصل على شهادة جامعية تؤهله، أن يجلس بكل وقاحة على منصة إعلامية ويدّعي أنه صاحب رأي وموقف؟ كيف يتجرأ على أن يضرب الطاولة متشدقًا بعبارات مثل “لن نسمح” و”أنا مقتنع”، في الوقت الذي لم يقدم فيه سوى نموذج للتناقض والسطحية؟
فإذا كان الرمضاني يدافع بشراسة عن مؤسسته، فذلك مفهوم؛ لأن منبره الإعلامي هو الوحيد الذي ارتضى أن يمنحه منصة، رغم افتقاره لأي مقومات حقيقية. لكن ذلك لا يبرر أسلوبه الفج، ولا يعطيه الحق في أن يجعل من الصحافة أداة للمزايدات الرخيصة.
إن ما يقدمه الرمضاني ليس إلا نموذجًا للانحراف المهني الذي شوه صورة الإعلام المغربي. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على أولئك الذين يرفضون الخضوع لمنطق الرداءة، ويؤمنون بأن الصحافة الحقيقية هي نبض الشعب ولسانه الحر. فالصحافة ليست استعراضًا أجوف ولا تهريجًا رخيصًا، بل هي مهنة لها قيمها وأخلاقياتها التي يجب أن تُحترم.
لقد حان الوقت لنقول بصوت عالٍ: الصحافة المغربية أكبر من أن تُختزل في نموذج هزيل مثل رضوان الرمضاني. وإن كان أمثاله يطفون على السطح اليوم، فإن التاريخ لن يذكرهم إلا كحاشية عابرة في سجل المهنة، بينما يبقى للأصوات الصادقة والمهنية مكانها في وجدان الوطن والشعب.
شارك هذا المحتوى