الأنباء بوست / حسن المولوع
أحيانا أحاول جهد المستطاع تطبيق قول الله عز وجل ” وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” ، لكن أجد نفسي مطوقا بالأمانة العلمية التي تلزمني بالرد على تصريحات طائشة مع توضيحها وبيان الحق، بمقارعة الحجة بالحجة في آداب جمة لا تفسد للود قضية ، وهذا ما أتعامل به دائما في إطار النصح والمحبة والمودة .
تقتضي الأمانة العلمية والواجب الأخلاقي اتجاه المهنة ، الرجوع إلى كلمة الزميل عبد الكبير اخشيشن التي ألقاها خلال حفل توزيع جائزة واد نون الوطنية الكبرى للصحافة والاعلام ،وتمحيصها وتدقيقها ، تلك الكلمة نشرتها صحيفة هسبريس الالكترونية بتاريخ ال 21 من ماي الجاري نقلا عن زميلنا الصحافي محمد الراجي الذي نقلها بأمانة وعنونها ب ” النقابة الوطنية للصحافة المغربية تطالب بالتصدي ل ” الدخلاء والمتطفلين ” .
يظهر على أن عبد الكبير اخشيشن من خلال كلمته ، ادخل النقابة المذكورة في متاهات ونقاش لا علاقة لها به ، لا من قريب ولا من بعيد ، إذ أن كلمته طبعها نوع من التعالي على الناس واحيانا فيها نوع من التعالم ، خصوصا وأنه وجهها من مكان له رمزيته ، وفي هذا الباب وجب طرح سؤال مركزي وأساسي ، يكون بمثابة نقطة انطلاق لهاته الدردشة الودية، بعيدا عن الرد الصارم ، رغم ما في الزميل اخشيشن من من مغالطات وافتراءات وصلت حد وصف الناس الذين يختلف معه بالمتطفلين والدخلاء عبر كلمته ، والسؤال هو : هل من الضروري أن نستمر في الترافع عن قضايا عادلة بمثل هاته الأوصاف ؟
رغم الانتقادات التي نوجهها للنقابة الوطنية للصحافة المغربية في اطار من الود والمحبة والنصح ، الا أننا لم نلاحظ ولا قياديا منها في يوم من الأيام ، قد خاطب الناس بمثل لغة الخطاب التي استعملها اخشيشن ، التي تنهل من قاموس غير اخلاقي، وكلها وعيد وترهيب ، في حين أن الحكمة تقتضي أن تكون هناك دعوة ضمنية للتجميع بدل خلق الفرقة والتشتت في الجسم المهني ، فالنضج من أجل المصلحة العامة التي تهم العباد والبلاد ، يقتضي تطبيق ” تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ” ، وليس نشر خطاب التفرقة والتيئيس والتشتيت ، لأن نقاش الأفكار أهم من نقاش الذات .
ولقد رأينا كلمة الزميل يونس امجاهد التي ألقاها في ذات المكان والزمان ، كانت كلمة رصينة ، منشغلة بالقضايا الكبرى للإعلام الوطني ، دعا من خلالها إلى إصلاح شامل وجريء لقطاع الصحافة والاعلام بالمغرب، حيث قال ” لا يمكن لبلد كالمغرب الذي لديه تحديات كثيرة ويخوض معارك في قضايا كبرى وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية ، ألا تكون لديه آلة إعلامية قوية ، وهي الوسيلة العسكرية الموازية لآلية الحربية لكي يتواجه بقوة ويدافع عن نفسه ويسمع مواقفه ويضغط بقوة في قضاياه العادلة “، متسائلا في السياق ذاته ” هل نحن في حاجة إلى الهياكل أم في حاجة إلى الإصلاحات وإلى صناعة وطنية للصحافة والإعلام ” .
كلام كهذا هو الذي يحرك النقاش العمومي ويتم أخذه بعين الإعتبار من طرف عقلاء هذا البلد الذين يسمعون للعقلاء والحكماء أمثالهم ، وليس للمتنطعين الذين يسعون إلى التفريق بدل التجميع ، ولا يناقشون الأفكار بل يقومون بتصفية الحسابات والضرب تحت الحزام ، فالذي يتبرأ من الدخلاء في النهار هو نفسه الذي يلتقيهم بالليل ويشجعهم ويساندهم لغاية في نفسه ، أو لتحقيق أحلام وتطلعات شخصية لا تصب في اتجاه المصلحة العامة .
ما ذهب إليه يونس امجاهد بصفته قياديا بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية هو ذاته ما ذهبت إليه الزميلة حنان رحاب بصفتها قيادية بالنقابة ذاتها ، وذلك عبر مقالها المنشورعلى صحيفة أحداث أنفو بتاريخ ال 22 من ماي الجاري تحت عنوان ” من أجل نموذج إعلامي جديد ” ، حيث طرحت ضمن مقالها سؤالا يحرك النقاش ويدعو الى التفكير الجدي في المهنة ” هل نمتلك تصورا للصحافة الذي نريد ؟ ” مسترسلة ضمن مقالها ” إن ما يحققه المغرب من منجزات على مستوى التنمية او على مستوى حسم ملف الوحدة الترابية ، او على مستوى الاستقرار في محيط مطبوع بالحروب والنزاعات ، لا يتم استثماره وتسويقه إعلاميا ، إذ ثمة فرق شاسع بين التطور الذي وصلته بلادنا رغم الأعطاب التي لا يمكن إنكارها ، والتي تنبه لها بجرأة أعلى سلطة في البلاد، وبين صورة البد في الإعلام الدولي وحتى في المتخيل عند الرأي العام العالمي ، الذي لا زال جزء كبير منه متأثرا بالخلفيات الإستشراقية، ولذلك نحتاج إلى نقاش وطني صريح حول الاستراتيجية الإعلامية التي نحتاجها ، تبعا لرهان الدولة المغربية الساعية لأن تكون قوة إقليمية صاعدة ، وكل قوة إقليمية صاعدة محتاجة لأذرع إعلامية قوية ”
عند تحليل مضامين ما ذهب إليه الزميل يونس امجاهد وما ذهبت إليه الزميلة حنان رحاب ، وبين ما ذهب إليه الزميل اخشيشن نجد أن هناك اختلاف كبير في العمق ، فاخشيشن ظل بعيدا عن النقاش الاستراتيجي، ولذلك فكلامه لا يعبر عن توجه النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، بدليل أن أغلب القياديين فيها ، لهم نظرة أعمق للإعلام وسبل إصلاحه من أجل أن يكون في خدمة المصلحة العامة ويواكب القضايا الكبرى للبلاد، وليس خدمة للمصلحة ” الخبزية ” وتحقيق طموحات شخصية غارقة في الانانية التي تضرب تاريخ النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
إن الدفاع عن المهنة يقتضي إدراك دورها وأهميتها واستيعاب تاريخها بالصيغة المغربية ، والالمام بالتطور الذي يعرفه قطاع الصحافة والاعلام في العالم ، إذ لم يبق نشر الخبر مقتصرا على الصحافي وحده ، فهناك صحافة الموبايل وصحافة المواطن، تبقى طريقة المعالجة هي التي تختلف بين هذا وذاك ، واذا كان اخشيشن يقصد المراسلين ويصفهم بالدخلاء والمتطفلين ، فليسمح لي أن أقول له إن هؤلاء هم من طوروا الصحافة بالبلاد، ومديره الحالي قبل أن يكون مديرا فلقد كان مراسلا من مكناس ، أما إذا كان اخشيشن يقصد بالدخلاء الذين لا يتوفرون على بطاقة مهنية أو ديبلومات متخصصة ، فنذكره أن الصحافيين الكبار في البلاد ممن لهم أقلام كانت تقرأ لها أعلى سلطة في البلاد ، لم تكن لهم بطائق مهنية ولا دبلومات في الصحافة ، فالبطاقة في الأصل لمن يطلبها ، ربما اخشيشن لا يعرف تاريخ الصحافة المغربية ولا يعرف الصحافة الحزبية التي خرجت من رحمها صحافيين بارزين نفتخر اننا تتلمذنا على يديهم ، كان الأجدى أن يسمي الدخلاء بأسمائهم حتى لا يقوم بتعويم النقاش ويخلق بكلمته فتنة إعلامية لا تعبر الا عنه نفسه .
وفي النهاية من يخاف من نقاش الأفكار ويرتدي رداء التعالي والتعالم المدنس بثقافة الوشوشة والتنمر والهمز واللمز ، أكيد مهما حاول أن يكون “زدي” بين الزملاء والزميلات ، لن يستطيع أبدا أن يكون هامة من هامات النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تاريخها ومواقفها أكبر من الأشخاص ، ومؤسسيها هم من صنعوا تاريخ الصحافة في بلادنا والعالم العربي وبنوا أمجادها .
والشيء بالشيء يذكر ، فمهما اختلفنا ، فتحية عالية للرمز يونس امجاهد الذي له تاريخ في الصحافة وتذوق مرارة الاعتقال من أجل مغرب حداثي متطور ، وحتى إن جار علي الزميل عبد الله البقالي جور ظالم فتاريخ الصحافة سيذكره ، فنحن لا نبخس الناس أعمالهم لأننا نؤمن بالحق في الانتقاد ونؤمن بذكر الحسنات إن وجدت ، فهو له الشجاعة أن يخرج ويجري حوارات حتى مع قنوات معروفة بخطها التحريري المعارض ، أما اخشيشن لم نسمع له يوما صوتا ولم نغرق في أفكاره “ونهار جا يكحل لها عماها ” وياليته ما تكلم كنا سنبقى معتقدين أنه من الحكماء تطبيقا للمقولة الشهيرة ” الصمت حكمة ” .
شارك هذا المحتوى