
الأنباء بوست / حسن المولوع
في مدينة لا تنام، وُلدت رباب نوي. في الدار البيضاء، حيث تختلط رائحة البحر بصخب الأرصفة، تربّت في بيت يُشبه مكتبة حنونة، مشبع بالثقافة والمعرفة. فوالدتها، نموذجٌ للمرأة المغربية الأصيلة، ووالدها، واسع الاطلاع على شؤون الصحافة، شكّلا معا الحاضنة التي صقلت وعيها، وغرسا فيها حب الكلمة الحرة.
كان بيت رباب أشبه بصالون ثقافي، تسكنه الحكمة ويُنعشه النقاش. وكان والدها يقرأ الصحف كما يقرأ العاشق وجه حبيبته، ويعلّمها منذ نعومة أظافرها أن الصحافة ليست مهنة، بل رسالة وموقف.
لم تكن رباب مجرد ابنة للصحافة، بل كانت الصحافة نفسها تتهيأ لاستقبال وجه جديد، يحمل بين عينيه بريق الطموح وشيئا من عناد الحالمين.
درست في المعهد العالي للصحافة والإعلام، وهناك لم تكن مجرد طالبة، بل كانت وعدا يمشي على قدمين. إذ عرفها أساتذتها كما تُعرف النسائم العابرة: هادئة، لطيفة، ثم تنقلب إلى إعصار من الأسئلة.
رباب نوي، اسم ارتبط بنجاح الصحافة الإلكترونية في المغرب، ويعكس إرادة صلبة ومهنية عالية. حين أسست صحيفة “أخبار الغد”، لم تكن تسعى لإضافة رقم جديد إلى زحام المواقع، بل لتشقّ طريقا بخريطة مختلفة.
وُلدت صحيفة “أخبار الغد” من رحم الفكرة، والرؤية، والتحدي، وسطّرت رباب خطوطها الأولى بحذر الأمهات وجرأة الثوار. فكان المنبر، وفي وقت وجيز، لا يُجامل، ولا يركن إلى البلادة، ولا يخاف من السؤال الصعب.
منذ سنواتها الأولى، أظهرت رباب شغفا باللغات، فأتقنت العربية والفرنسية والإسبانية. لم تكن اللغات بالنسبة لها أدوات تواصل فحسب، بل مفاتيح لفهم أعمق للعالم. لغاتها جسور، لكنها لم تبنِها للترف، بل لتفتح من خلالها نوافذ المعرفة على قضايا عميقة تُصرّ على تفكيكها بعين الصحافية الاستقصائية.
لا تقتصر موهبة رباب على الكتابة فقط، بل تمتلك صوتا إذاعيا دافئا، وحضورا تلفزيونيا مميزا، وكاريزما تجعلها قريبة من القلب. تكتب بأسلوب ماتع، تنسج من كل مقال سردا مشوّقا، وتعرف كيف تلامس القارئ دون صخب.
مرت رباب بتجارب إعلامية متعددة، لم تكن دائما سهلة. بعضها شكّل اختبارا لصبرها، وبعضها منحها الصلابة واليقين بأن الطريق إلى النجاح محفوف بالتحديات. لكنها دائما ما كانت تخرج من كل تجربة بخطوة إضافية وثقة أعمق في رسالتها. فهي لا تتباهى بتجاربها، ولا تطلب الأضواء، لكنها حين تقف فيها، تُتقن ذلك ببراعة.
رباب نوي اليوم، اسم يفرض حضوره بهدوء. لا تلهث خلف الأضواء، ولا ترفع صوتها، لكنها تشتغل بصمت وفعالية. تدير مشروعها الإعلامي كما تُدير امرأة بيتها: بحب، وبصرامة، وبتفانٍ لا يلين.
في زمن طغى فيه الالتباس، واهتزّت فيه الثوابت، تكتب رباب “أخبار الغد” بمداد الأمل، وتُصرّ على أن يكون الغد أكثر صدقا، وأكثر إنصافا.

شارك هذا المحتوى