
الانباء بوست / حسن المولوع
أن يمارس المغاربة الحق في الاحتجاج عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي فتلك قمة التحضر والتمدن الذي وصلوا إليه ، ولا شك أن ذلك سيغني الدولة عن صدامات يمكن أن تقع إذا ما تحولت ظاهرة الاحتجاج الرقمي هاته ، إلى احتجاج في وسط الشارع الشيء الذي يمكن أن يساهم في تهديد النظام العام لأنه في ظل انعدام وجود أحزاب سياسية قوية، قادرة على تأطير المواطنين والمواطنات وتكون صمام أمان ، فإن الاحتجاج بالشارع يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ويكون مصير بلدنا يسير نحو المجهول مثل بلدان عربية أخرى .
لا أحد من الناس من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية غير مُكتَوٍ بلهيب الأسعار ولا أحد يمكن له أن يدافع عن أي حكومة لم تستطع أن تجد الحلول بدل طرح المشكل والتباكي عليه دون وجود أي حل ملموس على المدى القريب أو المتوسط .
ما اشبه اليوم بالأمس
الذين يقرؤون التاريخ سيلاحظون جيدا أن ما يقع حاليا على الساحة هو نفسه الذي مهد لانتفاضة الدار البيضاء سنة 1981 وما بعدها ، فالتحالف الحزبي الذي ارتكزت عليه حكومة 1977 انطلاقا من نتائج الانتخابات التشريعية لنفس السنة والمتألف من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان تجميعا لعناصر متابينة في رؤاها وفي استراتيجيات الدفاع عن مصالحها ، ثم حزب الاستقلال والحركة الشعبية كحزبين مواليين ، (هذا التحالف الحزبي ) أدى إلى اندلاع تلك الانتفاضة الشعبية التي كان من بين أسباب اندلاعها، إذ اتسمت تلك الفترة بانفجار التناقضات بعد عملية إعادة تشكيل المشهد الحزبي بالمغرب ، هذه التناقضات وجدت تعبيرها اجتماعيا بدءا بأحداث 20 يونيو 1981 مرورا بأحداث يناير 1984وانتهاء بأحداث 1990 .
أحداث 20 يونيو 1981 دفعت الملك الحسن الثاني إلى القيام بنقد ذاتي، حيث اعتبر في خطاب 8 يوليوز الموالي أن الاحداث يعود أصلها إلى أحزمة البؤس المحيطة بالمدن بفعل الهجرة القروية والتي تحركها البطالة ، وأنه بعد 25 سنة من الاستقلال لم يقض على الخلل الكبير والفجوة العميقة بين العالم القروي والمدن ، هذا التشخيص دفع الملك إلى الإعلان عن برنامج لانعاش العالم القروي والأحياء الشعبية الفقيرة داخل المدن
من خلال هذا التمهيد ، يمكن القول بأنه ما أشبه اليوم بالأمس ، وأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج ، فواقع الحال هو وجود جفاف ، وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ، وتناقضات في التحالف الحكومي الحالي . هذا التشابه يوجد مع اختلاف طفيف بين الأمس واليوم، بكون أنه لا وجود لمعارضة حقيقية ولا نقابات ، فمعارضة اليوم هي مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهاشتاغات ، هذه المعارضة تمارسها فئات غير مسيسة هدفها بريء وهو تحسين وضعية العيش، لكن حدث أن تم الركوب على هذا الهاشتاغ وتغذيته من طرف من يتربصون بهذا الوطن منذ زمن قريب وبعيد ، لأن ا الاحزاب السياسية لم تستطع تكوين تأطير المواطنين وعجزت أن تكون صمام أمان ، هذا بالإضافة الى وخيانة المعارضة والنقابات والاعلام العمومي للشعب بعدم نشره للوعي وتخلق نقاش عمومي جاد ، فكان المواطن عرضة لحمل قنبلة افتراضية موقوتة ، يحملها عن حسن نية دون معرفة انه تحول الى أداة لتحقيق أهداف ومصالح خارجية لخوض حرب ضد البلاد
الخفي وراء الحرب الخارجية التي يعيشها المغرب
لتقريب القارئ أكثر ولفهم الفكرة بشكل أعمق نورد في هذا السياق ما قاله ابراهام لينكلن الرئيس ال 16 للولايات المتحدة الأمريكية ” الرأي العام هو كل شيء، معه لا شيء يفشل وبدونه لا شيء ينجح ” ، أما منتج الأخبار بشبكة البي بي سي كينيث باين Kenneth Payne فيقول في دراسة نشرها سنة 2005 بعنوان وسائل الإعلان كحجة للحرب The Media as an Instrument of War ” الفوز في الحروب الحديثة يعتمد على تأييد الرأي العام المحلي والدولي بقدر ما يعتمد على هزيمة العدو في ساحة المعركة ” ، ف ” إذا كان الناس يعرفون الحقيقة ستتوقف الحرب غدا لكنهم بالطبع لا يعرفون ” هذا كلام السياسي الأمريكي تشارلز د كارت .
معنى هذا أن ما يقع حاليا هو حرب يعيشها المغرب ، فالمطالبة برحيل شخص دون غيره من الحكومة ليس له أي تفسير سوى أنه شخص مزعج اقتصاديا لاطراف خارجية ويمتلك قوة اقتصادية على الصعيد الافريقي ، فالمنطق هو المطالبة برحيل الحكومة بأكملها في حالة فشلها او اعتماد ملتمس الرقابة ، وليس المطالبة برحيل شخص واحد منها لأن الحكومة هي مسؤولة بأكملها، فالاغلبية صامتة ولم تصدر أي بلاغ ولم ينسحب أي حزب منها معنى ذلك ان الأمور غير سليمة وان الحملة غير بريئة ، وهذا الشخص ايضا ليس هو وحده من يمتلك شركة المحروقات بالمغرب بل هناك شركات عدة ، والمنطق أيضا يفرض المطالبة بتخفيض أسعار المحروقات من جميع الشركات وليس شركة واحدة دون غيرها ، ومن هنا نفهم ونتأكد أن الحملة فيها “إن وأخواتها ” وليست في صالح الشعب الذي يناضل بحسن نية من أجل تحسين وضعيته المعيشية بل في صالح من يحركون خيوط اللعبة من وراء حجاب .
هل أخطأت لاماب بنشرها للمقال ؟
المقال الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء مؤخرا باالرغم من ألفاظه العنيفة نوعا ما، سار في هذا الاتجاه وحذر من مغبة السقوط في هذا الفخ ، إذ يمكن قراءة مقال لاماب من زاوية المساندة الرسمية لرئيس الحكومة من أجل استكمال مهامه دون تشويش ، فلا يمكن أن نتصور أن الوكالة الرسمية للبلاد يمكن لها أن ترتكب خطأ كما ذهبت عدة قراءات متسرعة في ذلك ، تلك المساندة قد تكون بناء على معطيات متوصل بها وجرى تحليلها وتدقيقها وتوجيه رسائل مشفرة لمن يعنيهم الأمر ، وبلاغ وزارة الداخلية الذي تم توجيهه ضد شخصية قيادية بأحد الأحزاب السياسية يفسر بالملموس ، المقصود من مقال لاماب ، فهناك جهة سياسية لم ترض بهزيمتها في النتخابات ومع ذلك فهي تلعب على جميع الحبال ، والضحية بكل تأكيد هو الشعب المقهور الذي واقل شيء يمكن فعله في هذا السياق هو خروج رئيس الخكومة للقنوات الإعلامية ويوضح .
لو افترضنا أن مقال وكالة المغرب العربي للأنباء سار في اتجاه تأييد الرأي العام ، وتأييد الهاشتاغ ، لرأينا اليوم مديرها العام قد نُصب له تمثال على صفحات الفيسبوك وصار بطلا قوميا ، فالذي يسير مع الجماعة في كل حملة يصبح بطلا في نظر العامة، لأنه عندما يوجد إجماع على شيء ما ، فمن الأكيد أنه يوجد بعض من المنطق ، وهذا ما يتم اعتماده في الحروب الحديثة عبر زرع قصص كاذبة في وسائل الاعلام من خلال منطق “كرر فكرة واحدة بسيطة كثير ، لغاية أن تنتقل لأذهان الجماهير ” ، فيصبح الجمهور حينها ثائرا ولا يقبل أي فكرة مناقضة لما تم شحنه عليه وهذا هو سبب هجوم الرأي العام على المدير العام لوكالة المغرب العربي للانباء .
خلفيات التهجمات غلى المدير العام للاماب
إن الغرابة لا تكمن في الهجوم على مدير وكالة المغرب العربي للأنباء بعد نشر المقال ، لأن الشعب من حقه فعل ذلك طالما لا يوجد من ينقده من براثن هذه الحرب ، نظرا لانعدام أحزاب سياسية تؤطره ولا اعلام عمومي يقوم على توعيته ، بل الغرابة توجد في من يخوضون حربا بالوكالة ضد الوكالة ، فلقد راينا بلاغات شاردة ضد المدير العام للاماب ، والعارفون بتفاصيل الأمور يدركون جيدا أن الغاية هي تصفية حسابات قديمة ، يحركها في الخفاء رئيس إحدى النقابات الذي يلعب على كل الحبال ، فمنذ أن تم تعيين السيد خليل الهاشيمي الادريسي مديرا عاما للاماب بظهير ملكي شريف وهو يتعرض لهجومات ممنهجة ، والسبب الخفي أنه سحب البساط عن النقابة المعلومة التي كانت تتحكم قبل عهده في المكاتب الدولية للاماب ، وهي من كانت تفرض وضع صحافيين منخرطين بها بتلك المكاتب ، لكن السيد الهاشيمي في عهده منع كل ذلك وطبق المرسوم المتعلق بالتعيين في هذا الاطار ، وهو الامر الذي لم يرق هذا الرئيس المنتهية صلاحيته المهنية والنقابية ، لأن خليل الهاشيمي ” سد الروبيني ” ، وبطبيعة الحال هذه الأمور ليست بخافية على مسؤولي الدولة الذين يعرفون الصالح من الطالح والانتهازي والوصولي من الذي يريد خدمة الوطن وتطوير المؤسسة التي على رأسها ، ومن الأكيد سيلاحظون جيدا كيف أن عهد السيد خليل الهاشيمي تم فيه خلق وتطوير وسائل الاعلام بوكالة المغرب العربي للانباء .
عندما تعذر على رئيس النقابة المعلومة تحريض او تسخير بعض من أعضائها على اصدار بلاغ ضد لاماب على خلفية المقال ، وذلك خشية من أن ينفضح العداء والحقد الشخصي الذي يكنه رئيس النقابة المعلومة للمدير العام للاماب، تم تسخير أحد الفرق البرلمانية لتنفيذ هذه المهمة ، وهذا الفريق ويا عجباه ظل صامتا على ارتفاع الأسعار وبؤس المعيشة ولم يصدر أي بلاغ بخصوص الامر باعتباره قائدا للمعارضة ، الى ان اكتشفنا بلاغه الشارد والذي بطبيعة الحال يسير في منطق تصفية الحسابات ، فهذه النقابة التي لم تكشف عن ماليتها على غرار الجمعية التابعة لها ، يتم تسييرها بين حزبين سياسيين معروفين ولهما مصالح مشتركة ، وكما يقولون شرح الواضحات من المفضحات ويلا بان المعنى لا فائدة في التكرار .
إن محاولة تشويه سمعة المدير العام لوكالة المغرب العربي للانباء منذ زمن ليس الغاية منه ابعاده عن لاماب لان هؤلاء يعرفون ان السيد خليل الهاشيمي الادريسي يحظى برضى الجهات العليا نظرا لما حققه من نجاح في تطوير لاماب وهدفه خدمة الوطن وليست مصلحته الشخصية ، بل الغاية من ذلك هو الخوف من تعيينه مديرا للقطب العمومي ، فتعيينه بهذا المنصب معناه اغلاق ينابيع الأموال التي تستنزفها بعض شركات الإنتاج دون انتاج يستحق صرف تلك تلك الأموال ، ونحن نعلم من هو الصديق الحميم لرئيس المدير العام الحالي للقطب العمومي ومن أي حزب ينتمي (…) وهناك مؤشرات تطل على أن القطب العمومي سيشهد قريبا زلزالا يبدأ من الرأس إلى الأخمص.
ختاما لمقالنا هذا الذي قد يحصل الاتفاق حوله او لا يحصل ، نود الإشارة الى أخذ الحيطة والحذر من المعلومات التي نستقبلها ،عبر التركيز والبحث والتدقيق فيها، فليست هناك معلومة بريئة، فالشعب يناضل بحسن نية لكن هناك من يستغل الوضعية لتصفية الحسابات ، والهدف الأسمى في نهاية المطاف هو الإصلاح الحقيقي لوطننا والنهوض به اقتصاديا واجتماعيا وقبل ذلك سياسيا ، فحاليا لا توجد نخب سياسية قادرة على الابتكار والتفكير للنهوض بالأوضاع المعيشية ، هناك نخب للأسف ريعية تسعى للاستفادة من خيرات الوطن دون تقديم شيء لصالح الشعب ولصالح هذا الوطن .

شارك هذا المحتوى