
الأنباء بوست/ حسن المولوع
عندما نقرأ مقالة المختار لغزيوي التي عنونها ب “ولنا عودة …”، نجد أنفسنا أمام نصٍّ يحاول أن يكون ساخراً ولاذعاً، لكنه ينتهي كسلسلة من العبارات المتناثرة التي تفتقر إلى المنطق والعمق. فإذا كان الهدف هو انتقاد المؤثرين، فمن باب أولى أن يكون “المحتار” من المؤثرين بالفعل، لا أن يكتب نصوصاً تتأرجح بين السخرية المتصنَّعة والادعاء الفكري.
إن شيخوخة المختار لغزيوي المبكرة تتجلى في نصوص شابة تذكرنا بذلك التحليل العميق الذي فقد عمقه، والنقد اللاذع الذي تحول إلى نكتة من نكت “الحلايقية”. فهذا “الكُوَيتب” يبدو أن يصر على أن يكون شاباً بنصوصه، بينما تعجز عقليته عن مجاراة شباب العصر.
عندما تقرأ للغزيوي، تشعر وكأنك تدخل لحلقة من حلقيات جامع لفنا حيث الفكاهة بلا روح، واللغة بلا أفكار، والمواضيع يعاد تدويرها بأسلوب متهالك. حيث أن نصوصه تنتمي إلى فئة كتابات “لا هي تؤثر، ولا هي تترك أثراً”. فربما اعتقد الرجل أن الحدة في الأسلوب هي ما ينقصه ليكون مؤثراً، لكنه لم يدرك أن الحدة بلا مضمون مثل سيف خشبي في معركة فكرية.
المختار يبدو كمن يمارس “التصابي الصحافي”، إذ يُحاول أن يضع قلمه في سياق شباب الإنترنت ومؤثريه، لكنه ينسى أن أدواته قديمة وبالية. فالنقد الذي يُقدمه لا يتجاوز مستوى المُشاهد العابر الذي يُعلق على الأحداث بكلام شعبوي، ممزوج بشيء من العدمية المزعومة، والتي لا تُقنع أحداً.
إن الجيوش الرقمية التي يهاجمها لغزيوي إن كانت سطحية، فهو ليس بعيداً عنهم. فالفرق الوحيد أن جمهورهم يحبهم، بينما لا أحد يأخذ لغزيوي على محمل الجد.
مقاله ، وإن كان يستهزئ بـ”المؤثرين”، إلا أنه في حقيقته خطاب يشير إلى أزمة كاتب يبدو أنه فقد صلته بالواقع. فهذا الكُويتب يتحدث عن جمهور المؤثرين وكأنه يُلقي خطبة على كوكب بعيد. فالجمهور في نظره “جموع ضالة” لا تفهم شيئاً وتحتاج إلى مخلص. ربما كان يعتبر نفسه ذلك المخلص، لكنه نسي أن فاقد الشيء لا يعطيه.
هل يمكن لشخص يكتب بهذه السطحية أن يُشكِّل الرأي العام؟ بالتأكيد لا. فالرأي العام يتطلب أفكاراً جديدة، جرأة في الطرح، وصدقاً في المضمون، وهي عناصر غائبة تماماً عن كتابات لغزيوي.
المختار لغزيوي، بنصوصه المتهالكة، يُذكِّرنا بمشهد كوميدي مكرر: رجل يتصابى، يحاول أن يكون مضحكاً وجريئاً، لكنه ينتهي دائماً كموضع شفقة. فالمقالات التي لا تحمل سوى انتقادات سطحية واستعراض للذات لا يمكن أن تترك أثراً أو تحرك ساكناً. ربما حان الوقت للمختار أن يعتزل كتابة المقالات الساخرة، لأنها أصبحت، في يد قلمه، مجرد عبث لا يُضحك أحداً.
لنأخذ ما كتبه لغزيوي خطوة بخطوة. حيث يبدأ مقالته بالحديث عن المؤثرين والمتأثرين، لكنه لا يقدم أي تحليل جديد أو طرح مختلف. كل ما فعله هو استعراض أزمة يعرفها الجميع دون إضافة أو تفسير ، ما يجعل المقال مجرد صدى لانتقادات مستهلكة. فإذا كان سينتقد “اللايكات “، فليقدم بديلاً أو ليشرح الظاهرة بطريقة أكثر ذكاءً. أما الاكتفاء بوصفها كأنه “العارف بكل شيء”، فهذا لا يعدو كونه استعراضاً بلا مضمون.
يخلط مقال لغزيوي بين نقد المؤثرين ونقد جمهورهم، لكنه لا يوضح وجهة نظره. هل المسؤولية تقع على المؤثرين الذين ينشرون محتوى سطحياً؟ أم على الجمهور الذي يتبعهم بلا تفكير؟ فهذا الارتباك يجعل النص يتأرجح بين انتقاد الجمهور واتهام المؤثرين بالاستغلال، دون الوصول إلى خلاصة واضحة. ذلك أن الهجوم العشوائي ليس فكراً نقدياً؛ إنه مجرد فوضى.
اللغة التي استخدمها لغزيوي تنم عن نظرة فوقية للجمهور. إذ وصف المتابعين بأنهم “ميليشيات” و”رهائن لدى أذكياء الأدسنس”، مما يُظهر ازدراءً واضحاً لهم. فهذا الأسلوب قد يجذب الانتباه، لكنه يُنفر القارئ الواعي. فإذا كان لغزيوي يريد أن يحدث أثراً، فعليه احترام جمهوره، حتى لو كان ينتقده.
إذا كانت مقالة “المحتار الحائر بين الكلمات ” تهدف إلى تحليل ظاهرة المؤثرين، فقد فشلت تماماً. إذ لا توجد لا أرقام، لا أمثلة واقعية، ولا تحليل علمي أو اجتماعي. فالكويتب اكتفى بالعموميات، مثل الحديث عن “كرة ثلج تدحرجت” و”خسائر ظاهرة وخفية”. ما هي هذه الخسائر؟ كيف تؤثر الظاهرة على المجتمع؟ ما الحلول الممكنة؟ لا إجابات.
إن السخرية الفعالة تُظهر التناقضات بوضوح وتُعيد التفكير. وبدلاً من ذلك، جاءت سخرية لغزيوي مباشرة ومفرغة لدرجة أنها تفقد تأثيرها. فوصفه الجمهور بـ”الجموع الضالة” والمؤثرين بـ”نصابو الأدسنس” لا يضيف شيئاً سوى تشويه سمعة الطرفين دون أدلة.
إن المختار لغزيوي وكما هي عادته يمارس “تصابياً فكرياً”. فمقاله لا يُقدم إضافة جادة للنقاش العام، بل يكرر شكوى قديمة بصياغة جديدة. وما يجب ان يتعلمه هو أن النقد الحقيقي لا يكتفي بالإشارة إلى المشكلة، بل يقدم حلولاً أو رؤى مختلفة.
ربما حان الوقت للغزيوي أن يُراجع نفسه، لأنه إذا استمر في هذا النهج، سيصبح هو نفسه “مؤثراً سلبياً”، لكن من دون “لايكات” أو جمهور.

شارك هذا المحتوى