
الأنباء بوست/ حسن المولوع
يظهر المشهد الحقوقي والإعلامي في المغرب اليوم وكأنه يسير نحو أزمة غير مسبوقة، حيث تجتمع في مفارقاته تناقضات صارخة تُعرّي حقيقة المؤسستين: “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” الذي ترأسه أمينة بوعياش، ووزارة العدل التي يديرها عبد اللطيف وهبي. فبدلاً من أن تدافع كل مؤسسة عن استقلالية دورها وتتمسك بالمبادئ الدستورية التي تضمن حرية التعبير واستقلالية القضاء، نجد أن تضارب الأدوار وتآكل المسؤولية باتا واضحين، على حساب صحافي شجاع لم يُعرف عنه إلا الصدق والإقدام، وهو حميد المهدوي.
من البداية، أثار قرار وزير العدل عبد اللطيف وهبي مقاضاة المهدوي وفق فصول القانون الجنائي، عوض اللجوء إلى قانون الصحافة والنشر، حفيظة متابعي الشأن العام ودعاة حرية الصحافة. فهذه الخطوة ليست مجرد تراجع عن ضمانات الصحفيين المكفولة، بل هي تهديد صريح لحرية التعبير، ونكسة خطيرة في مشهد يُفترض أن يحترم فيه كل فرد حقوق الصحفيين. لكن يبدو أن الوزير وهبي اختار تجاوز هذه المبادئ، حتى عندما كانت أمامه مؤسسة أخرى، هي “المجلس الوطني للصحافة”، التي يُفترض أنها الجهة القانونية للنظر في هذه القضايا. وهذا ما يكشف عن عدم الاعتراف الواضح بدورها، رغم أنها قائمة بميزانية مدعومة من المال العام تحت إشراف زميل وهبي في الحكومة، المهدي بنسعيد.
ولم يكتفِ وهبي بهذا، بل عمد إلى استغلال الإعلام العمومي ليظهر في برنامج “خاص” على قناة “ميدي 1 تي في”، متحدثًا عن قضية المهدوي التي ما زالت معروضة أمام المحكمة. وفي هذا تعدٍ صارخ على استقلالية القضاء وخرق فاضح للمبادئ الدستورية، خاصة تلك التي جاء بها دستور 2011 الذي يُفترض أن يكون ضامنًا لاستقلالية القضاء وحرية الإعلام.
وأمام هذه الانتهاكات، يقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان في موقف المتفرج، فيما يُفترض أن يتدخل ويحمي حقوق المواطنين الأساسية. فأمينة بوعياش، برغم مسيرتها الطويلة في الدفاع عن حقوق الإنسان، لم تُحرك ساكنًا وهي ترى صحافيًا يتعرض لأبشع أنواع المضايقات والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بشكلٍ طالت آثاره حتى أسرته. حيث أن أطفاله يعانون بسبب حملة التشهير، وأصبح يُنظر إلى والدهم كشخصية مستهدفة لأبشع أنواع التنمر، بل وصل الأمر إلى نعت المهدوي بألقاب ساخرة مثل “الهضراوي” و “الحقداوي” واتهامه بالجرم بلا مبرر.
كيف لمؤسسة وطنية تُفترض فيها حماية حقوق الإنسان، ورئيستها التي لها تاريخ حافل في العمل الحقوقي، أن تصمت أمام هذه التعديات التي تُدمي روح العدالة؟ أمينة بوعياش نفسها شاركت في اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور بقرار من الملك محمد السادس، لكن اليوم يبدو أن إرث الدفاع عن الدستور واستقلالية القضاء لم يعد أولوية، إذ اكتفت هي والمؤسسة التي ترأسها بالوقوف على الهامش، متجاهلين حقوق المهدوي الأساسية، في محاكمة عادلة بعيدة عن التأثير الإعلامي والسياسي.
إن هذه القضية لا تمثل فقط اختبارًا لمدى قوة القضاء المغربي أمام التدخلات، بل هي اختبار حقيقي لمدى صلابة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. فإذا لم يتحرك هذا المجلس لحماية الحقوق الأساسية للمواطنين، ولا سيما الصحفيين، في قضايا تضرب استقلالية القضاء، فإن هذا يعني تآكل الثقة في مؤسسات يُفترض أن تكون رائدة في حماية الحريات، وإهدارًا سافرًا للمال العام الذي يصرف على مؤسسة يبدو أن دورها اليوم أصبح مجرد شكلي.

شارك هذا المحتوى