الأنباء بوست/ حسن المولوع
سجل يونس امجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، اسمه في تاريخ الصحافة المغربية كأول مسؤول يستخدم القضاء كأداة للانتقام من صحافي بسبب آرائه وانتقاداته المهنية، معترفًا ضمنيًا بأن المؤسسة التي يترأسها تفتقر إلى القيمة والجدوى في الوساطة والتحكيم. كما أن لجنة أخلاقيات المهنة التابعة للمؤسسة أضحت شكلاً بلا مضمون، وهو اعتراف صريح بأن الميزانية المخصصة للمجلس الوطني للصحافة تُعد إهدارًا للمال العام، طالما أن المسؤول الأول عنها يُعطي إشارات واضحة للمواطنين والمواطنات بالتوجه إلى القضاء مباشرة بدلاً من المجلس عند وجود نزاع مع صحافي يتعلق بنشر مادة إعلامية تتضمن سبًا أو قذفًا أو تشهيرًا.
القضية التي أصبح الصحافي ياسين الحسناوي، مدير نشر موقع “زون 24″، ضحيتها، تعكس أزمة عميقة تضرب المجلس الوطني للصحافة، الذي تحول في ظل قيادة امجاهد إلى أداة لقمع الأصوات الحرة وترهيب الصحافيين الذين يجرؤون على انتقاد تسيير هذه المؤسسة.
وتأتي متابعة الحسناوي بعد الإشارات الملكية السامية التي أعطاها جلالة الملك محمد السادس، حين عفا عن مجموعة من الصحافيين في ذكرى عيد العرش المجيد، في خطوة تؤكد أن جلالته أراد بها تقوية الجبهة الداخلية وطي كل الملفات المرتبطة بحرية الصحافة.
وما يؤكد حرص جلالة الملك على حرية التعبير هو إصداره أوامر سامية لوزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، عام 2015 بعدم متابعة أي مواطن أو مواطنة مس بجلالته، وهو تصرف يعكس نبل وأخلاق جلالة الملك محمد السادس. فهل سمعة يونس امجاهد أهم من سمعة الملك؟ حاشا لله.
ما يحدث مع ياسين الحسناوي هو استهداف واضح وممنهج، بدأ بحملة تشهير واسعة يقودها موقع إلكتروني تابع لحزب الاتحاد الاشتراكي، الحزب الذي ينتمي إليه امجاهد. هذا الموقع حاول تصوير الحسناوي كمجرم يستحق العقاب فقط لأنه انتقد طريقة تسيير المجلس الوطني للصحافة. وهذا السلوك لا يعتبر الا مجرد عذر أقبح من الزلة، بل فضيحة مهنية وأخلاقية بكل المقاييس.
الموقع المذكور لجأ إلى حجج واهية لتبرير المتابعة القضائية، مدعيًا أن الحسناوي يرسل رسائل عبر “واتساب” إلى يونس امجاهد في أوقات متأخرة من الليل، وكأن إرسال رسالة في وقت معين يُعد جريمة. دون أن يوضح طبيعة الرسائل أو مضمونها، مما يجعل الادعاء برمته مثيرًا للسخرية.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل زعم الموقع أن الحسناوي نشر مقالات تمس بـ”شرف” امجاهد، وهو ما دفع الأخير لتقديم شكاية ضده. فهذه الخطوة تكشف عن استغلال امجاهد لموقعه في المجلس الوطني للصحافة لتحويل قضية شخصية إلى قضية عامة، مما ورط أعضاء اللجنة المؤقتة في معركة لا تعنيهم.
المفارقة الكبرى تكمن في أن امجاهد، الذي انتفض دفاعًا عن “شرفه”حسب زعمه، اختار الصمت المطبق أمام اتهامات خطيرة وجهها له اليوتيوبر المعروف محمد تحفة عبر فيديوهات شاهدها آلاف المغاربة من الداخل والخارج. وهذه الاتهامات تتطلب تحرك النيابة العامة للتحقيق فيها، خصوصًا أن صمت امجاهد قد يُفسر كاعتراف ضمني بها. فلماذا لم يتحرك امجاهد للرد على هذه الادعاءات وتوضيحها عبر بلاغ وهو مسؤول عن قطاع الصحافة والنشر؟
الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع ضد ياسين الحسناوي ليس سوى خطوة أخرى في سلسلة الإجراءات التعسفية التي تستهدف قمع الأصوات الحرة. فهذا الحكم يكشف عن تحول المجلس الوطني للصحافة، تحت قيادة امجاهد، إلى أداة ترهيب بدلاً من الدفاع عن الصحافيين وحريتهم.
ياسين الحسناوي، بدلاً من الاستسلام، قرر مقاضاة الموقع الذي شوه سمعته وحاول تصويره كمجرم، وفضح زيف الادعاءات التي نشرت حوله. ومن بين تلك الادعاءات، خبر زائف يتعلق بدعوى قضائية رائجة أمام المحكمة الإدارية، والتي لم تستنفد بعد جميع مراحل التقاضي.
وفي الأيام المقبلة، ستنظم فعاليات حقوقية ندوة صحافية لكشف تفاصيل هذه القضية، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق باستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة داخل المجلس الوطني للصحافة. وستكون هذه الندوة فرصة للرأي العام لمعرفة الحقيقة، ولفتح نقاش حول الدور الحقيقي للمجلس في حماية حرية الصحافة.
يونس امجاهد، الذي كان يُفترض أن يكون نموذجًا للدفاع عن الصحافة وحرية التعبير، أصبح طرفًا في معركة قذرة ضد صحافي مارس حقه المشروع في النقد. وسيظل هذا الموقف وصمة عار في تاريخ الصحافة المغربية، ودليلًا على انهيار القيم المهنية والأخلاقية لصالح المصالح الشخصية.
شارك هذا المحتوى