
الأنباء بوست
كشف الصحافي حميد المهدوي، عبر قناته “بديل”، عن معطيات صادمة تستوجب تحركا عاجلا من النيابة العامة، ليس فقط للتحقيق، بل لانتزاع الستار عن منظومة مظلمة تقتات من الفوضى وتبتلع مفهوم العدالة في مستنقع من الابتزاز والترهيب.
لم تكن الحلقة التي بثها المهدوي مجرد استعراض للوقائع، بل صفعة مدوية في وجه من يختبئون خلف الشعارات الفضفاضة، إذ أظهر خلالها مقطع فيديو صادم لرئيس جمعية يعرض وثائق رسمية مختومة للبيع لمن يرغب في وضع شكاية، وكأن العدالة باتت تُشترى وتُباع في سوق النخاسة، لمن يدفع أكثر ويجيد تحريك البيادق في لعبة الفساد.
لا يقف ما كشفه المهدوي عند حدود الاتجار بوثائق رسمية، بل يتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى وجود خلية ترهيبية إلكترونية، تحترف تشويه السمعة، وتصفية الحسابات، وإشعال الحرائق الافتراضية بأوامر خفية، مسخرةً منصات إلكترونية لتدمير الخصوم وتكميم الأفواه، في مشهد أقرب إلى جرائم المافيا العابرة للحدود.
تظهر في الصور التي عرضها المهدوي أسماء بارزة، بعضها ينتمي إلى مجال القانون، وبعضها يحمل سوابق قضائية، وأخرى تدير قنوات يوتيوبية خارج المغرب، تحولت إلى منصات للتشهير والابتزاز، تديرها أيادٍ خفية تضعف المؤسسات وتضرب في عمق هيبة الدولة.
هذا الكشف الصادم الذي فجره الصحافي حميد المهدوي يضع النيابة العامة أمام اختبار حقيقي. ففي الوقت الذي يخوض فيه وكلاء الملك بمختلف محاكم المملكة حربا ضروسا ضد سماسرة المحاكم، يصبح الصمت عن هذه المعطيات بمثابة إعلان صريح بأن العدالة تُباع في المزاد العلني، وبأن القانون لم يعد سوى شعارات جوفاء يتم تداولها في المناسبات الرسمية.
وفي هذا السياق، يصبح لزاما على رئاسة النيابة العامة أن تقوم بجرد شامل لكل الشكايات التي تقدم بها رئيس الجمعية المذكور، إذ إن فحص هذا الملف بدقة قد يكشف خيوطًا كثيرة ويفضح الامتدادات العميقة لهذا المستنقع. ومن هذا المنطلق، تبقى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية الجهة الوحيدة المؤهلة للوصول إلى الحقيقة، لما تتوفر عليه من خبرة وأدوات تقنية تمكنها من تفكيك مثل هذه الشبكات الإجرامية.
يتجاوز الأمر حرية التعبير أو الصراع الإعلامي، ليتحول إلى مخطط مافيوزي يعبث بمصائر الناس، عبر الاحتيال بصناعة الملفات، وإدارة شبكة قذرة لضرب الخصوم بأدوات دنيئة، تارة عبر شكايات كيدية، وتارة عبر منصات إلكترونية متخصصة في الاغتيال المعنوي وتشويه الحقائق. وهنا، يفرض السؤال نفسه: هل سنرى تحقيقا شفافا ينفض الغبار عن هذه الملفات؟ أم ستُطوى الصفحة، كما طُويت ملفات كثيرة، تحت ضغط المصالح والتواطؤات، ويُترك المواطن وحده في مواجهة آلة البطش الرقمي؟
ما عرضه حميد المهدوي ليس مجرد سبق صحفي، بل تبليغ عن جريمة، ودق لناقوس الخطر. فالسكوت عن هذا المستنقع ليس إلا شرعنة للفوضى، وتمهيدًا لتحويل العدالة إلى أداة انتقام بدل أن تكون حصنا للحقوق والحريات. فهل تتحرك الجهات المعنية لكشف الحقيقة وإعادة الاعتبار لدولة القانون؟ أم أن الصمت سيكون عنوان المرحلة، تاركا المجال لمزيد من التوحش والابتزاز، وإغراق المجتمع في دوامة من الفوضى المنظمة؟
ينتظر المغاربة إجابة، والكرة الآن في ملعب من يملكون سلطة القرار. فإما أن يُفتح هذا الملف بكل جرأة وشفافية، وإما أن يُكتب فصل جديد في كتاب الظلم، يضاف إلى فصول سبقت، ويدفن معه أمل المغاربة في عدالة نزيهة لا تخضع للمساومة.

شارك هذا المحتوى