
الأنباء بوست
في ظل أجواء من التوتر والجدل المحتدم الذي يخيم على الساحة الصحافية بالمغرب، جاء بلاغ المجلس الوطني الفدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية في دورته الثانية بمدينة المحمدية ليُفجّر نقاشًا واسعًا ويفضح التحديات والأعطاب التي تهدد القطاع.
وانعقدت هذه الدورة تحت شعار “مواصلة معركة حماية المهنة والمهنيين”، حيث سلّطت النقاشات الضوء على الواقع المؤلم الذي تعيشه الحريات النقابية والتراجعات الخطيرة التي تقوّض حرية الصحافة في المملكة.
وضمن هذا البلاغ ، وجّه المجلس الوطني الفدرالي تحذيراته بلهجة صارمة، مطالبًا بإنهاء الوضع المؤقت الذي تعاني منه آلية التنظيم الذاتي للمهنة. ودعا إلى الإسراع في المصادقة على القوانين التكميلية الخاصة بالقانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة قبل انتهاء الدورة الخريفية للبرلمان في أبريل 2025.
إن هذه الدعوة جاءت كصرخة ضد تسويف الوزارة الوصية التي تتحمل مسؤولية هذا الجمود الذي يهدد استقلالية القطاع بعد منحها تفويضًا للجنة المؤقتة، وهو تفويض أثار الكثير من الجدل حول أهدافه الحقيقية وتأثيره على مستقبل المهنة.
وفي خطوة اعتُبرت ضربة موجعة للنظام الخاص المثير للجدل بمنح بطاقة الصحافة، طالب المجلس الوطني الفدرالي بسحب هذا النظام بشكل فوري واعتبره تعديًا فاضحًا على حقوق الصحافيين وشرعية المهنة. وشدّد على ضرورة العودة إلى العمل بالمرسوم المؤطر الصادر سنة 2019 ريثما يتم تحديثه بما يتلاءم مع تطلعات الصحافيين/ات المهنيين/ات. هذا التأكيد جاء ليقطع الطريق أمام كل محاولات الهيمنة وإعادة الصحافة إلى مربع التبعية.
لم يتوقف البلاغ عند هذا الحد، بل فضح المعاملة المهينة التي يتعرض لها الصحافيون عند ولوجهم لمقر المجلس الوطني للصحافة. حيث وصف البلاغ هذه التصرفات بأنها إهانة تتنافى مع الزمالة المهنية ومسؤوليات المؤسسات العامة، وهي دليل على عقلية بائدة ما زالت تتحكم في بعض جوانب القطاع وتسعى للسيطرة عليه.
أما في ما يتعلق بحماية المعطيات الشخصية، فقد وجه المجلس الوطني الفدرالي هجومًا لاذعًا على اللجنة المؤقتة، متهمًا إياها بالاستهتار بخصوصية الصحافيين. وأعرب عن استنكاره الشديد لأي محاولة لاستغلال هذه البيانات لأغراض غير واضحة أو استخدامها في تصريحات مسؤولي اللجنة. وطالب بالكشف العاجل عن اسم الشركة المسؤولة عن إدارة المنصة الرقمية التي تستقبل طلبات الحصول على البطاقة المهنية، وتوضيح مصير البيانات الشخصية الموجودة في هذه الطلبات. واعتبر أن أي عبث بهذه المعطيات يعد خيانة للأمانة وجريمة بحق القيم المهنية وأخلاقياتها.
يأتي هذا البلاغ في ظل استمرار عبد الله البقالي كعضو في اللجنة المؤقتة لتسيير القطاع، بصفته رئيسًا للجنة منح البطاقة المهنية، وهو منصب يثير تساؤلات كثيرة حول مدى استقلالية المجلس الوطني للصحافة. إذ أن الجمع بين منصب حزبي رفيع ومسؤولية منح بطاقات الصحافة يشكل تناقضًا واضحًا وانتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات والمهام، ويعيد الصحافة إلى حقبة كانت الوزارة الوصية تتحكم فيها بشكل مباشر. هذه الحقائق تضع الحكومة في دائرة الاتهام بعرقلة التطور الديمقراطي وإجهاض تنظيم ذاتي كان من المفترض أن يكون صمام أمان لاستقلالية الصحافة.
لم يكن بلاغ المجلس الوطني الفدرالي مجرد بيان عابر؛ بل كان صفعة حادة في وجه كل من يحاول التلاعب بمصير الصحافة وتحويلها إلى أداة طيّعة تخضع لأجندات سياسية، متجاهلًا دورها الجوهري في خدمة الحقيقة وتعزيز حرية التعبير.

شارك هذا المحتوى