الأنباء بوست/ حسن المولوع
في ظل الخذلان الفاضح الذي تعرض له الصحافي حميد المهداوي من قِبَل النقابة الوطنية للصحافة المغربية وأعضائها، تبرز أمامنا حالة مؤسفة من التخاذل والهروب من المسؤولية، في الوقت الذي كان يتطلب فيه من نقابة الصحفيين الوقوف بصلابة ووضوح إلى جانب واحد من أبرز الأصوات الصحفية المستقلة في المغرب.
فبينما كان المهداوي يواجه محاكمةً وحكمًا بسنة ونصف حبسًا نافذًا وغرامة مالية ثقيلة بلغت 150 مليون سنتيم، لم تصدر النقابة ولا أعضاؤها أي بيان للتنديد، بل بدت وكأنها غير معنية بمعركة زميلها، في استهتار فاضح بمعايير المهنية والمسؤولية الأخلاقية تجاه من يفترض أنها تدافع عنهم.
الأكثر غرابة أن قضية المهداوي لم تُحَل وفق قانون الصحافة والنشر، كما ينبغي لأي قضية تخص الصحفيين، بل تمَّ تحويلها إلى القضاء الجنائي بناءً على شكاية من وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في خطوة واضحة لاستغلال السلطة القضائية كأداة لتكميم الأصوات الحرة وإرهاب كل من يجرؤ على قول الحقيقة.
لكن الصدمة الحقيقية جاءت من داخل النقابة نفسها، التي لم تكتفِ بالصمت، بل وصل الأمر إلى أن لجنة الحريات ذاتها لم تنبس ببنت شفة، ولم يصدر عن المسؤولين فيها حتى تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي تعبر عن التضامن مع زميلهم الذي حوكم وفق القانون الجنائي وحُكم بعقوبة سالبة للحرية. إذ يبدو أن النقابة برمتها اختارت الصمت، متخلية عن قيمها، تاركة المهداوي يواجه مصيره وحده، وكأن الدفاع عن الحريات الصحفية قد بات مجرد شعار زائف.
في هذه الأجواء المخزية، برز موقف نادر يختزل شجاعة الإعلامية البارزة ربيعة مالك، التي أبت إلا أن تخرج عن هذا الصمت المتخاذل، معبّرة عن تضامنها مع المهداوي، لتثبت مرة أخرى أنها لا تخشى الوقوف إلى جانب الحقيقة. فهذا الموقف وضع النقابة وأعضاءها في موقف مُحرج، وكشف كيف أصبحت بعض القيادات النقابية تُحابي الحكومة بدلاً من الدفاع عن الحريات الصحفية.
إن ما حدث يُعري النقابة الوطنية للصحافة المغربية أمام الرأي العام، ويجعلنا نتساءل بمرارة: هل أصبح دور النقابة إخفاء الحقيقة بدلًا من حماية الصحفيين والدفاع عنهم؟ هل صارت مصالح بعض القيادات فوق مبادئ الحرية والاستقلالية التي بنيت عليها النقابة؟ ومتى ستدرك هذه القيادات أن مصالح الصحفيين هي خطوط حمراء لا ينبغي التلاعب بها أو المساومة عليها؟
المشهد الراهن يستوجب وقفة شجاعة لإعادة النظر في بنية النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إذ لا يمكن أن تستمر الأمور بهذا الشكل المخجل. وعلى الجهات المعنية، سواء في الدولة أو المجتمع الصحفي، أن تدرك أن مصلحة الصحافة المغربية تقتضي وجود نقابة حقيقية، نقابة قوية ومستقلة قادرة على الدفاع عن حقوق الصحفيين وحرياتهم، وليس مجرد واجهة تسعى للحفاظ على الوضع القائم وتحقيق مصالح ضيقة.
لقد أظهرت ربيعة مالك بموقفها هذا أن الصحافة الحرة لا تزال حية، حتى ولو غابت عنها بعض المؤسسات، وأن الصحفيين الشرفاء لن يقبلوا بالصمت والتواطؤ.
إننا نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أصوات جريئة لا تساوم، إلى شخصيات تحترم نفسها ومهنتها، وإلى نقابة تستحق ثقة الصحفيين وتدافع عنهم بشرف وصدق في وجه كل التحديات.
شارك هذا المحتوى