
الأنباء بوست / حسن المولوع
لم يستطع الوفد الصحفي الذي رافق المنتخب الوطني المغربي والمكون من 140 صحافيا ، أن يمثل المغرب أفضل تمثيل ويقدم صورة إيجابية عنه وعن المهنة ، إذ ورغم توفير كل الظروف المواتية له من لباس موحد ، وطائرة وإقامة، والأكل والنقل من المال العام ، فإن حضوره كان جد باهت الا من استثناءات قليلة جدا تكاد أن تنعدم ، فلا بورتريهات وقصص إخبارية ولا حصريات ولا تغطيات استثنائية ولا مستجدات ، ولا مقالات مكتوبة من ساحل العاج ، ولم يشاهد المواطن المغربي فيديوهات حصرية، فقط هناك فيديوهات لخلق البوز والرقص داخل الملاعب وخارجها ، فكل الفيديوهات المهنية تم نقلعا عبر كاميرات بيين سبورت وقنوات أخرى .
إن الملاحظة المركزية التي ينبغي الانتباه اليها ، أن التفاعل مع الاحداث التي جرت في كأس افريقيا ونقاشها ، ونقاش مستوى أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي واستعداداته، كان يقوم به صحافيون لم يسافروا الى هناك ، اذن؛ فما قيمة هذا الوفد إن لم يستطع القيام بروبرتاجات واستوديوهات تحليلية من هناك ؟ فالوفد الصحفي وكما هو معلوم ضم ما يناهز ال 140 صحافي ، وبالمقارنة مع هذا الكم الهائل بشريا فقد لاحظنا ضعفا في الإنتاج وهزالة في التغطية …
لقد وقع المنتخب الوطني المغربي ومعه صورة المغرب الرياضية ، ضحية بين مخالب مستغلي البوز ومناسبات الاشهارات من عصابة المؤثرين ، وكذلك ضحية اللاهتين وراء الصفقات التي خلقت هذا الوفد الصحفي ، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على تركيز الطاقم واللاعبين ، خاصة عندما سقط في فخ الاحتجاج والتدافع والمشادات واستفزازات الخصم التي تتطلب الهدوء حتى لا يساء لصورة المنتخب في المحافل الدولية ، وأمام هذا الوضع فإنه وبدل أن يساهم الوفد الصحفي في الحفاظ على صورة منتخبنا الوطني فإنه أبى الا أن ينقل بعدساته ما يسيء لرمزيته ، حيث شاهدنا صورا خلخلت تلك الصور السابقة عن لاعبينا خلال مونديال قطر ، وهذه هي نتيجة اختيار صحافيين لا علاقة لهم بالأجناس الصحفية ويبحثون فقط عن كل ما يخلق البوز ، هذا البوز الذي استغله الخصوم وقاموا بتضخيمه ، ما نتج عنه خلق توتر والسقوط في قشور الموز لخلق توترات دون وجود استراتيجية تواصلية إعلامية تتصدى للتوشيش على تركيز النخبة المغربية .
إنه وعلى اعتبار أن كأس إفريقيا فرض نفسه كحدث راهني ، فإن الواجب منا حاليا هو التحليل في ما يتعلق بالشق الإعلامي مع تفعيل المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة ، هذا التحليل يجعلنا نركز على مقاربتين اثنتين او جانبين :
-الجانب الأول وهو على مستوى الخطاب ، فالوفد الصحفي لم يستطع انتاج خطاب رياضي صرف له بعد جدي ، وأيضا لم تكن هناك مواد فيها معطى الجدة ، إذ بقيت منحصرة على التصريحات التي تنقلها القنوات العمومية الرسمية وكل القنوات العالمية مثل قنوات بين سبورت ، ولم نلاحظ وجود تصريحات حصرية حصل عليها هذا الوفد ، أما بخصوص الندوات فهي كانت مفتوحة للعموم ، إذن، نحن هنا أمام غياب معطى الجدة ، وفي هذا الصدد نطرح سؤالا جوهريا حول أسباب ودواعي ذهاب هذا الوفد بهذا الكم والذي صرفت عنه الملايين من المال العام ، اللهم إن كان الداعي والدافع هو التشجيع ، لكن ليس من وظائف الصحافي تشجيع فريق كروي ، ذلك أن هذا الأمر هو موكول للجمهور
– الجانب الثاني هو أن الخطاب الإعلامي الذي كان من المفترض أن ينسجم مع الخطاب الرسمي الديبلوماسي الذي تنهجه المملكة المغربية وفق استراتيجية مدروسة يشرف عليها جلالة الملك ، أضحى هذا الخطاب طرفا في تأجيج الصراعات ونقل صور خادشة للرؤيا ولشعور الرأي العام ، كان الهدف منها هو خلق نوع من البروبغندا او ما يسمى ب ” الشاو” او الاثارة المجانية ، لكن آثارها السلبية أكثر من فوائدها على اعتبار أنه ليس من وظيفة هذا الوفد أن يقدم اثارة معينة ، فالهدف الاسمى هو تقديم مواد إعلامية وطنية ما دام أنه ممول من طرف الحكومة ، وهذا يعني كذلك أننا كنا أمام جهل واضح تماما باستراتيجية الدولة المغربية في افريقيا وما عكف عليه جلالة الملك منذ عدة سنوات في تكريس البعد الافريقي للمغرب وتقديم المغرب كزعيم افريقي او من بين باقي الزعماء للدفع بقافلة التنمية في افريقيا وبالتالي فتلك الصور التي أثيرت وما واكبها من تأجيج الصراع وصور بعض اللاعبين المغاربة مثل اللاعب زياش او بونو او النصيري وغيرها من الصور ، خدشت صورة المغرب كبلد أم لافريقيا ، بالإضافة الى أن تلك الصور قامت بتفتيت الرأسمال الرمزي المغربي داخل افريقيا من خلال جعله كطرف يفتعل المشاكل ، في حين أنه في كأس العالم الذي احتضنته قطر، قدم المغرب صورة جيدة خلقت التلاحم بين الشعوب العربية والافريقية لتشجيع المنتخب الوطني المغربي ، و كذلك رسم هذا المنتخب صورة نبيلة تناقلتها كل وسائل الاعلام من خلال سجود اللاعبين وصور الأمهات وتقبيل رؤوسهن من طرف ابنائهن ، وإشاعة قيم التامغرابيت في العالم ، لكن وللأسف تم المساس بهذا الرأسمال الرمزي الذي تم تحقيقه في مونديال قطر، ويمكن تلخيص ذلك في النقل غير المهني للصور من طرف بعض عناصر الوفد الصحفي ، وبالتالي فنحن هنا امام خطرين داهمين :
الخطر الأول هو المس برمزية المغرب كبلد حكيم و متسامح يجنح دائما للسلم ويقدم كرة قدم تمثل افريقيا، وانه يقدم دائما مزيجا بين كرة افريقية واوربية بأخلاقه وتفاعله وانخراطه مع محيطه
أما الخطر الثاني هو أنه تم المس بالرأسمال السياسي والاستراتيجي ، فالمغرب قام بطفرة كبيرة على مستوى الوجود الافريقي ، لكن وفي ظل عدم تحمل المسؤولية من طرف الاعلام الوطني في الدفاع عن هذه الصورة وتكريسها وترميم بعض الأخطاء تم المس بهذه الاستراتيجية ، فكان الأجدر ان يقوم هذا الاعلام الممول ، برأب الصدع بين الرفاق والأصدقاء والاخوة في الكوت ديفوار ومع باقي الدول الافريقية والتعامل بحكمة وعدم التصعيد مع تجسيد الصورة المثلى لبلد الحكمة .
كل ما حدث لا يليق بسمعة المغرب باعتباره ومنذ مونديال قطر يعتبررائدا من رواد كرة القدم في العالم ، لكن على مستوى الاعلام للأسف ما زال متأخرا كثيرا ، هذا الإعلام الذي من المفروض فيه المساهمة في تليين الأوضاع او خلق شروط إيجابية للعمل ، بالإضافة الى ان كثرة الإعلاميين والتهييج داخل الندوات أثر على المستوى النفسي للاعبين واعطى انطباعا بان المنتخب المغربي هو منتخب متفوق على الجميع ، وبالتالي تم التأثير على تركيز اللاعبين وعلى المدرب ما جعلهم يلعبون بغير الجدية المطلوبة .
لقد تم انتاج خطاب اعلامي باختيارات معينة او لنقل ” شوهة” إعلامية بعيدة كل البعد عن التعددية والمسؤولية ، تلك ” الشوهة” تم دعمها وتمويلها من المال العام ، وبالتالي نطرح سؤالا أساسيا حول من هو المسؤول عن وضع استراتيجية مواكبة للأحداث الرياضية التي لا يمكن عزلها عن السياقات الإقليمية، ونحن نعرف ان الاعلام المجاور او كما يصطلح عليه بإعلام السوء يتلقف أخطاء المغرب وصوره ويعلق عليها بطريقته في اطار حرب الصورة ، اذ كان يجب ان يكون هذا الاعلام مساهما في تقوية الديبلوماسية الموازية ، على اعتبار أن الرياضة هي من بين أهم تمثلات القوة الناعمة ولا يجب أن يفقدها المغرب بسبب اعلام غير مهني ويفقد ما راكمه لعدة سنوات .
إن كل ما حققناه سياسيا وتدبيريا ورياضيا على مستوى الجامعة وتخصيص جلالة الملك لكل الإمكانيات لتنمية القطاع الرياضي بالمغرب وجعله مهما، بالإضافة الى الديبلوماسية الموازية ، فقدناه تدريجيا بسبب سلوكات بعض الإعلاميين في تغطياتهم اللامسؤولة في كأس افريقيا ، فاذا كان هذا الوفد الصحفي ومن يترأسه قد قبل بالذهاب للتغطية بشكل موحد على حساب المال العام ، فقد كان عليه الالتزام باستراتيجية الدولة ويخضع للتعليمات الحرفية تحت اشراف الخارجية وممثل عن قطاع الاتصال ، علما أن هذا المنطق لا يستقيم مع استقلالية الصحفي ، لكن ماداموا انهم قبلوا بالذهاب بشكل موحد وعلى حساب المال العام ، فالخضوع واجب وضروري ، وكما يقول المثل المغربي الدارج ” اللي ترهنو بيعو واللي تخدمو طيعو ” ، ومن أساء لصورة المغرب إعلاميا والذي يعتبرهذا البلد مجرد بقرة حلوب وجبت محاسبته في اطار ربط المسؤولية بالمحاسبة .

شارك هذا المحتوى