
الأنباء بوست / حسن المولوع
أضحت بطاقة الملاعب، التي أطلقتها الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، محط جدل واسع بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون يرون فيها خطوة هامة للقضاء على المتطفلين في مجال الصحافة الرياضية، ويعتبرونها وسيلة لتحديد من يحق له ممارسة المهنة في هذا المجال، ومن يجب عليه الانسحاب منها. ولهم مبرراتهم وحججهم المنطقية في ذلك. في المقابل، يرى المعارضون أن هذه البطاقة تعد خرقاً للقانون، حيث إن النصوص القانونية تقتصر على البطاقة المهنية التي يجب أن يمنحها حصراً المجلس الوطني للصحافة. ومن هنا يطرح السؤال الجوهري: هل تتماشى بطاقة الملاعب مع الدستور، أم أنها تمثل تعدياً على الحقوق؟
إذا عدنا إلى الفصل 28 من الدستور المغربي، الذي ينص على حرية الصحافة، نجد أنه لم يتطرق بشكل دقيق إلى ضرورة أن تكون هناك مؤسسة معينة لتنظيم المهنة، مثل هيئات الحكامة التي يتم فيها التعيين الملكي. وبالتالي، يترك الدستور المجال مفتوحاً لتأسيس تنظيمات مهنية جديدة، وهو ما يمكن أن يفسر المشروعية المحتملة لبطاقة الملاعب التي أصدرتها الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين. ذلك أن الدستور لم يحدد بشكل حصري المجلس الوطني للصحافة كجهة تنظيمية، مما يعني أن هناك مجالاً قانونياً لتأسيس هيئات جديدة لتنظيم المهنة. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وهو الأمر الذي سينقذ الصحافة من هيمنة الأحزاب السياسية وسيطرة البعض على الإعلام، ممن ألفوا الاقتيات من الريع والبحث عن المناصب.
لكن ما يثير التساؤل هو كيفية استمرار مؤسسة المجلس الوطني للصحافة، التي تسيطر عليها عناصر متقاعدة، في تحكمها في مهنة الصحافة؟ فهذه المؤسسة، التي تحولت إلى ضيعة خاصة لمجموعة معينة من الأشخاص، أظهرت عجزها عن إصلاح المهنة والتعامل مع قضايا الصحافيين والصحافيات. فهناك قضايا تلاحق بعض أعضائها بسبب استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، بالإضافة إلى سن تشريعات مزاجية بدلاً من البرلمان للتحكم في مصائر الصحافيين، ومنعهم من الحصول على بطاقاتهم المهنية. وهذا يخلق حالة من عدم الشفافية، مما يثير الانتقادات من الصحافيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بنظام غير عادل.
من هنا، فإن الحاجة تصبح ملحة لإعادة قراءة الفصل 28 من الدستور، فربما يتطلب الأمر اجتهاداً قانونياً يفتح الباب لتأسيس هيئات مهنية جديدة قادرة على التنافس مع المجلس الوطني للصحافة. وهذا يعني أن الصحافيين سيختارون ممثليهم بشكل ديمقراطي والتنظيمات المهنية التي تناسبهم، بعيداً عن التحكم الحزبي، لأن الأصل في الصحافة هو الحرية والاستقلالية، وحرية الاختيار. فهذا الأمر من شأنه أن يعزز استقلالية الصحافة ويكفل لها حرية العمل بعيداً عن ضغوط السياسة.
إن الديمقراطية في الصحافة لا تعني فقط ضمان حرية التعبير، بل أيضاً ضمان أن تكون المؤسسات الصحفية مستقلة وشفافة، بعيدة عن أي نوع من التدخلات التي قد تؤثر على نزاهتها وموضوعيتها. ومن هنا، يظهر أن تنظيم الصحافة ينبغي أن يتم من خلال مؤسسات مهنية قائمة على المبادئ الديمقراطية، وأن تكون هذه المؤسسات قادرة على التفاعل بشكل بناء مع السلطات العمومية بهدف تحسين الأوضاع المهنية وتنظيم المهنة بشكل يتماشى مع تطورات العصر.
وفي هذا السياق، من الضروري أن تكون هذه التنظيمات المهنية مستقلة مالياً، بعيداً عن الدعم الحكومي. فالدولة لا ينبغي لها أن تمول المؤسسات الصحفية بشكل مباشر، بل يجب أن تترك المجال للمؤسسات الإعلامية للاعتماد على تمويل ذاتي من خلال اشتراكاتها السنوية. فهذا سيضمن استقلالها التام ويمنع أي نوع من التلاعب أو التضارب في المصالح. إضافة إلى ذلك، فإن توفير بيئة صحفية مستقلة سيزيد من شفافية العمل الصحفي ويساهم في تعزيز ثقة الجمهور في الإعلام.
كما أنه يجب التفكير في كيفية ترشيد الدعم المقدم للمقاولات الإعلامية. وينبغي أن يتحول الدعم إلى استثمار حقيقي، بحيث يتم توجيه الدعم إلى المقاولات الإعلامية الصغرى التي تساهم في تشكيل الرأي العام ونشر الثقافة الوطنية. فلا يمكن للدولة أن تستمر في دعم المقاولات الكبرى التي لا تحتاج إلى هذا الدعم، بينما الصحافة المستقلة تحتاج إلى من يعينها في مواجهة التحديات. فدعم الصحافة المستقلة هو دعم للمجتمع المدني في سعيه لتحقيق التغيير وتعزيز الديمقراطية.
يبقى التساؤل الأهم: هل ستظل الصحافة في المغرب تحت سيطرة مؤسسات ضعيفة ومتحكم فيها، أم ستشهد انطلاقة جديدة لهيئات مهنية مستقلة وقوية، قادرة على تقديم صحافة حرة وموضوعية بعيدة عن ضغوط السياسة ومزاج ممارسيها؟ هذا السؤال ليس مجرد تساؤل قانوني، بل هو تحدي حقيقي للمستقبل، يعكس ضرورة تحديث وتطوير النظام الصحفي في المغرب بما يتماشى مع مبادئ الحرية والاستقلالية.

شارك هذا المحتوى