الأنباء بوست/ حسن المولوع
يبدو أن البلاغ الصادر عن المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، اليوم الإثنين 25 نونبر 2024، هو نموذج صارخ لانحراف النقابة عن دورها الأصلي، وتحولها إلى أداة لخدمة أجندات خاصة ومصالح ضيقة. فالبلاغ الذي يُفترض أن يعبر عن انشغال النقابة بالدفاع عن حقوق الصحافيين وحرية الصحافة، جاء حافلاً بالتناقضات والتجاوزات، ليؤكد مرة أخرى أن النقابة أضحت تفتقد البوصلة وتخضع لمصالح قياداتها.
أول ما يثير الاستغراب في هذا البلاغ هو التجرؤ السافر للنقابة على تناول قضايا تتجاوز اختصاصاتها القانونية. فتنظيم قطاع الصحافة والإعلام، بما في ذلك الإعلام الرياضي، ليس من صلاحيات النقابة، بل هو اختصاص أصيل للمجلس الوطني للصحافة وفقاً للقانون. فلماذا إذن تُقحم النقابة نفسها في قضايا التنظيم؟ هل هو جهل بالقانون أم رغبة في فرض هيمنة تخدم مصالح معينة؟
ما لا يمكن تجاهله هنا هو الدور المشبوه لرئيس النقابة، عبد الكبير اخشيشن، الذي يشغل منصباً في جريدة “الأحداث المغربية”. فهذا البلاغ يكشف بوضوح أن الرجل يدافع عن مصالح مديره المختار لغزيوي، المنتمي للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، وهي الجمعية التي خلقت احتكاراً واضحاً لبطاقة الملاعب الرياضية وأسهمت في تشتيت الجسم الصحفي. فمثل هذه الممارسات لا تُظهر فقط أن النقابة تعمل على تغليب مصالح شخصية، بل تكشف أيضاً عن غياب أي رؤية مهنية واضحة للدفاع عن حقوق الصحافيين وحمايتهم.
إن الاحتكار الذي تفرضه الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين لبطاقة الملاعب الرياضية يمثل دليلاً إضافياً على حالة الفوضى التي يعيشها القطاع. ولا أحد ينكر أن الإعلام الرياضي يشهد فوضى عارمة، وأن هناك من يستغلون صفتهم الصحافية للمساس بسمعة المهنة بأفعال يخجل المرء حتى من ذكرها. لكن، إذا كان الجميع متفقاً على ضرورة التنظيم في هذا المجال، فإن هذا التنظيم يجب أن يهدف إلى تصحيح المسار، لا إلى تكريس الاحتكار تحت يافطة الإصلاح.
أما عن يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة، فهو أشبه بمنزوع الصلاحية. فالرجل الذي كان يُفترض أن يقود عملية إصلاح القطاع، بدا غائباً تماماً عن المشهد، وكأنه يخشى على موقعه أكثر من اهتمامه بإنقاذ الصحافة من الفوضى. وفي ظل هذا الغياب، تبدو اللجنة المؤقتة لتسيير القطاع وكأنها أصبحت مجرد أداة صورية تُستخدم لتجميل مشهد يعاني من التصدع.
إن البلاغ الأخير للنقابة الوطنية للصحافة المغربية يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل المهنة في ظل هذا التشرذم الواضح. فبدلاً من العمل على توحيد الجسم الصحفي تحت رؤية مهنية مشتركة تخدم المصلحة العامة، نجد أنفسنا أمام محاولات مكشوفة لخدمة المصالح الضيقة على حساب القيم المهنية. فهذا التوجه لا يخدم الصحافة، بل يدفعها نحو مزيد من الفوضى والانقسام.
إن الصحافة الوطنية تحتاج إلى إصلاحات حقيقية تركز على ضمان حرية التعبير، وحماية الصحافيين من التعسف، والتزام جميع الفاعلين بقواعد المهنية والأخلاقيات. وعليه، فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية مطالبة بالعودة إلى دورها الأساسي، وهو الدفاع عن الصحافيين، وليس التنافس على صلاحيات ليست من اختصاصها. فالتنظيم ضروري، لكن يجب أن يكون شاملاً وعادلاً، وبعيداً عن أي تدخلات مصلحية أو محاولات احتكار.
إن استمرار النقابة في هذا النهج الانتهازي سيفقدها ما تبقى من مصداقيتها. فالمطلوب اليوم هو مبادرة وطنية شاملة لتوحيد الصفوف وإعادة الهيبة لمهنة الصحافة، من خلال حوار حقيقي يضم جميع الأطراف الفاعلة، وبقيادة مؤسسات محايدة ذات مصداقية قانونية ومهنية.
وإلى حين تحقيق ذلك، ستظل النقابة بقيادة عبد الكبير اخشيشن عنواناً لفقدان البوصلة، ومثالاً حياً على كيف يمكن للمصالح الضيقة أن تضعف المهنة وتضر بمستقبلها.
شارك هذا المحتوى