الأنباء بوست / حسن المولوع
أعاد فؤاد عارف بعد تعيينه من طرف جلالة الملك محمد السادس حفظه الله مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء ، (أعاد) قصة يوسف الصديق إلى الواجهة ، يوسف الذي اجتمع اخوته فيما بينهم يخططون ويمكرون، كيف يتخلصون منه ، لأنه استحوذ ببراءته وحسن أخلاقه قلب أبيه، فنتج عن كيد إخوته وحسدهم له؛ مؤامرة تُفضي إلى قتله {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} ، فأجمعوا أمرهم على أن يلقوه في بئر عميق ، ولأن الله سبحانه له الحكمة في أن يتمم مخططهم لأمر أراده، فقد فعل الاخوة بيوسف ما فعلوه، وصبر واحتسب ، لكن شاءت الأقدار بعد توالي السنوات و الأحداث أن يصبح يوسف عزيز مصر مشرفا على خزائن الأرض التي امتلأت بالخيرات بعد تنفيذ وصيته وما أمر به قومه، وبعدها رفع أبويه لجانبه، وخرّ الإخوة سجّدًا تعظيمًا وإذعانًا لحكم الله الذي ينعم على من يشاء من عباده.
إن العارفين بمسار المديرالعام الجديد لوكالة المغرب العربي للأنباء السيد فؤاد عارف ، سيكتشفون أن قصته فيها شيء من قصة يوسف وإن اختلف الزمان والمكان والشخوص وسيناريو الأحداث ، ولذلك ومن أجل أن تكتمل القصة وتكون بالنهاية ذاتها او القريبة ننعا ، فما على السيد عارف إلا أن يخلق ثورة إعلامية منقطعة النظير ويضع بصمته ، ويخلق من وكالة المغرب العربي للأنباء آلة إعلامية قوية توازي الآلة العسكرية او تضاهيها ، لخوض معارك في قضايا كبرى وفي مقدمتها الوحدة الترابية للمملكة ، فمغرب اليوم لديه تحديات كثيرة ، وبالآلة الإعلامية عليه أن يتواجه بقوة ويدافع عن نفسه ويُسمع مواقفه ويضغط بقوة في القضايا العادلة .
من المعلوم أن تعيينا كهذا على رأس مؤسسة استراتيجية ك”لاماب” تحكمه توازنات جد معقدة يصعب على الباحث في الاعلام التكهن بأي اسم سيتم تعيينه، ومن دون شك أنه كانت هناك أسماء كثيرة تمت غربلتها ، وفي النهاية وقع الاختيار على ” ولد الدار ” ، فالسيد عارف ، عارف بخبايا الدار ، وعارف بأمور الاعلام وأهميته، لما له من تجربة طويلة بالميدان ابتدأت باشتغاله كصحفي في وكالة المغرب العربي للأنباء، التي التحق بها منذ العام 1994، قبل أن يتقلد مسؤوليات مختلفة داخلها ليشغل بعدها منصب رئيس التحرير الدولي، قبل أن يعين رئيسا لمكتب الوكالة في باريس ثم في واشنطن ، ثم تقلد بعد ذلك منصب مدير لقطب أمريكا الشمالية ، والأكثر من ذلك شغل منصب مستشار لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ما يعني أن السيد عارف من خلال مساره الطويل والمهم ، عارف بالتحديات الكبيرة التي يواجهها المغرب ، ولهذا وقع اقتراحه ثم تعيينه من طرف جلالة الملك ، من أجل الحفاظ على موقع الوكالة وتطويرها لتكون ذراعا إعلاميا متعدد الأوجه في ظل الإعلام الكسيح الموجود حاليا بالبلاد
من خلال السيرة المهنية للسيد فؤاد عارف وخبرته بوزارة الخارجية وتعيينه هو بالضبط دون غيره ، يمكن الاستنتاج أن المغرب نهل من تجارب دول أخرى في مجال الإعلام ، فنجد مثلا أن قناة الحرة وسوا وأصوات مغاربية مدعومين من وزارات الخارجية ، نجد أيضا قناة فرانس24 التي تشرف عليها وزارة الخارجية الفرنسية ، في اطار ما يسمى بالإعلام الدعائي ، هذه التجربة نجدها أيضا في مصر وكيف أن النظام خلق قنوات تلفزيونية عديدة تسوق لمصر ، وفي هذا السياق لا يمكن الجزم بأن وزارة الخارجية المغربية وضعت يدها على وكالة المغرب العربي للأنباء وتقوم بدعمها وإن كان الأمر محمودا ومطلوبا في هذه الظرفية ، لكن يمكن القول أن المدير العام الجديد السيد فؤاد عارف سيعمل على خلق ذراع اعلامي قوي للمغرب عن طريق القناة التلفزيونية ماروك 24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء وأيضا ريم راديو ، ويجعل لاماب تنهج نهجا جديدا لمواكبة جديد الاعلام والحفاظ على السيادة الإعلامية والثقافية للبلاد مع تقويتهما .
لا يخفى على الكثير أن الأستاذ خليل الهاشمي الإدريسي قد خاض معارك ضد السكون والجمود والمألوف ، إذ حمل خبرته الإعلامية التي راكمها طيلة عقود من الزمن ووضعها بوكالة المغرب العربي للأنباء منذ أن عينه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مديرا عاما لها ، مستكملا بخبرته وطموحه الإعلامي ما بناه السابقون ، ومطورا إياها عبر تحويله لها من وكالة تقليدية للقصاصات إلى هرم من أهرامات الصحافة والاعلام بمواقعها وإذاعتها وتلفزيونها وصحفها ومجلاتها ، بميزانية متواضعة جدا، فأضحت الوكالة فاعلا في تنشيط الحقل السياسي والثقافي و أحد المعالم الجديدة للحقل الإعلامي، تقدم خدماتها بجودة واحترافية وبدفاع مستميت عن مفهوم السيادة الاعلامية والثقافية للمملكة المغربية
المعركة التي خاضها المرحوم الهاشيمي ضد السكون والجمود ، وتطويره للاماب، زكته ولخصته برقية التعزية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى أسرته ، إذ كان مضمونها قويا وحسها الإنساني عال جدا ، فيها الكثير من اللطف ، تضمنت مقاطع لافتة ، تعكس المكانة والتقدير الذي كان يحظى به الراحل من طرف أعلى سلطة في البلاد والذي أشاد بخصاله وبانسانيته وكفاءته ونزاهته وغيرته الوطنية الصادقة، حتى أن جلالته لم يقم بإعفائه خلال رحلة مرضه ، والأكثر من ذلك لم يقم بتعيين خلفه إلا بعد استكمال 40 يوما على وفاته ، وهذا تقدير كبير من طرف جلالته لمكانة الراحل خليل الهاشمي الادريسي رحمه الله ، وأي تعيين منه إنما يكون بناء على رؤية رشيدة وثقة مولية كبيرة في الذين يقوم بتعيينهم ، ومن الأكيد أن تعيين السيد فؤاد عارف ينطلق من هاته الرؤية وهاته الثقة من جلالته .
رؤية المرحوم الهاشيمي من دون شك أنها كانت تندرج ضمن رؤية حصيفة ، لكن ربما التنزيل كان يلزمه مقاربات مختلفة ، وقد يكون نتيجة عدة عوامل لا يسع المجال للتطرق اليها كاملة ، ربما تتعلق بالموارد البشرية ، ولأن السيد فؤاد عارف هو ابن الدار فهو عارف بالتفاصيل التي لا يمكن لنا نحن أن نعرفها أكثر منه ، يبقى الأهم من تلك التفاصيل وإن كانت ضرورية ، هو خلق ثورة إعلامية ومحاولة ملاءمة القناة والإذاعة لتكونا آلة إعلامية قوية توازي القوة العسكرية لصناعة اعلام وطني يقوم بأدواره كما ينبغي على مختلف الأصعدة ، والقناة الآن في ظل الإدارة العامة الجديدة عليها الدخول الى رحابة الاحتراف ببرامج حوارية وتحقيقات وأفلام وثائقية ونشرات إخبارية بصحافيين وصحافيات لهم نضج مهني ومسار طويل لاضفاء المصداقية على أي منتوج اعلامي ، نفس الأمر ينطبق على الإذاعة التي يستحسن إخراجها من بطن الحوت وادخالها عالم الأثير ، من أجل أن تصبح لكل من القناة والإذاعة سلطة إعلامية تدافع عن القضايا الأساسية للمغرب، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية من خلال التصدي للتضليل الذي ينشره إعلام خصوم المملكة ، وكل هذا لن يتحقق الا بموارد بشرية مؤهلة والخروج من منطق عقلية الموظف الساعي فقط الى البحث عن الترقي والذي يتناسى أن الاشتغال في الاعلام أساسه البحث و الابداع الذي يشكل القوة المهنية وليس القوة الإدارية التي تأسس على منطق الشيخ والمريد ، هذا المنطق هو الذي يمنع ظهور الكفاءات الحقيقية والمبدعة ، فالتطور سنة الله في خلقة وما ذلك على السيد فؤاد عارف بصعب ولا بعيد ، ونتمنى له التوفيق والسداد .
شارك هذا المحتوى