الأنباء بوست
خصصت جريدة “الأحداث المغربية”، التي يدير نشرها المختار لغزيوي، صفحة كاملة لمهاجمة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، على خلفية البلاغ الصادر عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.
المقال، الذي حمل عنوان “عودة الشيخ إلى صباه”، تجاوز حدود النقد الصحفي ودخل في إطار الإساءة الشخصية والتجريح المتعمد. فهذا الانحدار الخطير في مستوى الخطاب الإعلامي يثير علامات استفهام كبرى حول أخلاقيات المهنة ودور الصحافة في تعزيز النقاش الوطني.
عبد الإله بنكيران ليس مجرد شخصية عادية، بل هو رجل دولة شغل منصب رئيس الحكومة في مرحلة دقيقة، وحظي بالثقة الملكية السامية. وهذا يتطلب من الصحافة الوطنية احترام مكانته بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه.
إن تقزيم مسيرته السياسية وتحويلها إلى مادة للسخرية والتهكم يعكس عجزًا عن ممارسة النقد السياسي الموضوعي، ويُعد إساءة للمؤسسات الدستورية التي مثلها بنكيران خلال مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو الانتقائية الواضحة التي تنتهجها الجريدة في معالجتها للشأن السياسي. فبينما تركز بشكل مفرط على بنكيران، تغض الطرف عن إخفاقات الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش. فلماذا لم تنتقد الجريدة، مثلًا، فضيحة وزير التعليم الذي عجز عن قراءة نص بسيط أمام الملأ، وهو ما يُعد إساءة لصورة الدولة نفسها؟ كما أن الأداء الحكومي الحالي في ملفات التعليم والصحة وارتفاع الأسعار يكشف عن إخفاقات تستحق المتابعة والانتقاد، لكنها تُهمل لصالح هجمات متكررة على شخصيات سياسية معينة.
المقال المذكور ليس نقدًا سياسيًا مشروعًا، بل انحدار إلى “البلطجة الإعلامية”، حيث أصبح الهدف هو التشهير والتجريح بدلًا من تقديم مادة صحفية تحترم عقول القراء وتُعزز النقاش العام. فالصحافة الحقيقية تمارس النقد بجرأة وموضوعية، دون الانحياز أو تصفية الحسابات الشخصية. أما أن يتحول الإعلام إلى أداة لتشويه الرموز الوطنية، فهو تهديد خطير لمصداقية المهنة وثقة المواطنين في الصحافة كسلطة رابعة.
إن استهداف بنكيران بهذا الشكل لا يضر به وحده، بل يسيء إلى صورة الإعلام الوطني ويُضعف النقاش السياسي في البلاد. فمهما كانت الخلافات السياسية، فإن الوطن أكبر من الأشخاص، واستهداف رموز المرحلة الماضية بهذا الأسلوب هو محاولة بائسة لتشويه الذاكرة السياسية للمغاربة وصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية.
وبدلًا من الانشغال بتصفية الحسابات، كان الأجدر بجريدة “الأحداث المغربية” أن تركز على القضايا التي تؤرق المواطنين، مثل ضعف الخدمات الصحية، وتفاقم الأزمات الاجتماعية، وغياب الشفافية في إدارة الشأن العام. لكن ما يظهر هو انحياز واضح يجعل من الجريدة أداة لخدمة أجندة معينة، بدلًا من أن تكون صوتًا للشعب.
المقال يُعد نموذجًا صارخًا لما لا يجب أن تكون عليه الصحافة الوطنية. إذا استمر هذا الأسلوب، ستفقد الجريدة ما تبقى لها من مصداقية. فالصحافة ليست ميدانًا لتصفية الحسابات، بل هي أداة لبناء وعي مجتمعي ونقاش ناضج. وإذا كانت “الأحداث المغربية” عاجزة عن ممارسة دورها بمهنية وموضوعية، فمن الأفضل لها أن تراجع نفسها قبل أن تتحول إلى منبر للتهجم والإساءة.
الوطن أكبر من الأشخاص، والصحافة النزيهة هي التي تحترم المؤسسات ورموزها، وتُعلي مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
شارك هذا المحتوى