
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في زمنٍ أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي ملعبًا مفتوحًا لكل من أراد أن يمارس دور البطل، يخرج علينا “عمر الشرقاوي”، الأستاذ الجامعي، بحكم ونصائح تبدو وكأنها صادرة عن سقراط هذا العصر.
ففي تدوينةٍ له أقرب إلى البيان السياسي منها إلى الكلام الأكاديمي، يحدثنا عمر عن “التحريف الذي تعرفه مهنة الصحافة” و”اختلاط الحابل بالنابل”، وكأنه خرج لتوه من معركة تحرير الصحافة من قيودها. لكنه، مع الأسف، نسي أنه من بين المؤسسين لجنس صحفي لقيط سُمِّي بـ”العصابة” وجنس آخر غريب سُمِّي بـ”التنكافت”. فهذا “الأستاذ المخضرم” نسي أن يقدم النصائح لنفسه أولًا، لأن أمثاله هم ممن أسهموا في تراجع الجامعة المغربية إلى ذيل التصنيفات العالمية.
لكن دعونا نأخذ خطوةً للوراء ونطرح السؤال المنطقي: ما الذي يجعل عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي، مؤهلًا لإلقاء هذه الدروس الثقيلة عن الصحافة وأخلاقياتها؟ هل هو صحفي مخضرم قضى حياته يطارد الحقيقة؟ أم أنه مجرد متطفل عليها في الزمن الماضي، ووجد في الصحافة قارب نجاة من البطالة، ثم اتخذها ربما وسيلة للارتقاء والترقي ليصبح أستاذًا لا يُشق له غبار، وهو في الحقيقة مجرد غبار متطاير في مهب الريح لأنه بلا أفكار ثابتة ومؤثرة؟ أم أنه مجرد متفرج يحاول أن يكون بطلًا في مسرحيةٍ لم يُدعَ إليها من الأساس؟
من المفارقات الساخرة أن عمر، الذي ينادي بضرورة “التمييز والتنظيم”، يبدو أنه نسي أن ينظم أفكاره أولًا قبل أن يتحدث عن مهنة لا ينتمي إليها. فكيف لشخصٍ غير مؤهلٍ للتنظير، وصاحب خطاب أقرب إلى “التطبيل” منه إلى المهنية، أن يضع نفسه في موضع الحكم على مهنة بأكملها؟ بل ويكيل الاتهامات لكل من يعمل فيها، متجاهلًا أن الصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة، لا مهنة التنظير الفارغ أو التصنيفات الهزلية.
ما يثير الدهشة حقًا هو الطريقة التي يُظهر بها الشرقاوي نفسه على أنه “حارس القيم المهنية”. فهو، بدلًا من أن ينشغل بتطوير طلابه أو إنتاج أبحاث علمية تُفيد المجتمع، يبدو وكأنه استبدل دوره الأكاديمي بدور “الناقد الفيسبوكي”. نقدٌ موجه لكل شيء وأي شيء، بلا معرفةٍ حقيقية أو تجربةٍ ميدانية تُذكر.
والأغرب من كل هذا، أن هذا الهجوم لم يسلم من التناقض. فكيف لشخص يدعو إلى التمييز بين المهنيين وغير المهنيين أن يمارس أسلوبًا أشبه بما ينتقده؟ فمن الواضح أن خطابه يفتقر إلى أي حسٍ مهني، بل يكشف عن تصفية حسابات شخصية مع أشباحٍ افتراضية لا يعلم عنها أحد.
عمر الشرقاوي، الذي يهوى لعب دور “المُصلح”، يبدو أقرب إلى شخصيةٍ تتقن فن التطبيل الخطابي منه إلى أستاذ أكاديمي. فبين جملةٍ وأخرى، يمكننا أن نرى بصمات “الطرب الفكري” إن لم نقل “الاضطراب”، وهو يحاول جذب الانتباه لا أكثر. ولو كان فعلًا حريصًا على الصحافة، لكان الأجدر به أن يساهم في تحسين المناخ الأكاديمي الذي يُخرّج الصحفيين، بدلًا من الانغماس في دور “الناقد الفيسبوكي”.
يمكننا القول إن عمر الشرقاوي ليس سوى نموذج آخر لمن يرى المنبر الافتراضي كفرصة لبناء شعبية على حساب قضايا أكبر منه. فلو كنا بحاجةٍ إلى نصيحة، فسنأخذها من أولئك الذين يحملون المهنة بأمانة، وليس من أستاذ جامعي تاه بين الخطابة والتنظير دون أن يقدم شيئًا يُذكر.

شارك هذا المحتوى