
الأنباء بوست/ حسن المولوع
من يتابع حال وكالة المغرب العربي للأنباء في عهد مديرها العام الحالي، فؤاد عارف، يصاب بالغصة وخيبة الأمل، وربما بالدهشة، وربما بالغثيان المهني. فمنذ جلوسه على مقعد المسؤولية، لم تُسجّل للوكالة أيّ قفزة نوعية، ولا رؤية استراتيجية، ولا حتى مبادرة متواضعة تحفظ ماء وجه مؤسسة كان يُشار إليها بالبنان. لا لشيء، سوى أنّ الرجل جاء من صلب البيروقراطية الناعمة، لا من رحم الميدان الصحفي الصلب، حتى وإن كان “ابن الدار”، غير أنه فشل فشلا ذريعا في التسيير، لأن المنصب أكبر منه بكثير.
من كان ينتظر من فؤاد عارف مشروعا إعلاميا كبيرا، أو إصلاحا جذريا يليق بمؤسسة وطنية بحجم لاماب، فليطفئ شمعته، وليكتفِ بمشاهدة ما تبقى من رماد الإنجاز. فالرجل، منذ تنصيبه، يتقن فن إدارة “السكون”، ويهوى إرضاء الخواطر، ويرى في توزيع الترقيات وفتح المناصب في المكاتب الدولية أعلى أشكال “التحفيز الإداري”. أما الورش الحقيقي، أما تطوير القناة التلفزيونية، وأما تجويد الخدمة الإخبارية… فتلك أشياء لا تدخل ضمن قاموسه المهني.
مقارنة بسيطة، بل موجعة، بين فؤاد عارف وسلفه المرحوم خليل الهاشمي الإدريسي، كافية لكشف المستور. فالراحل أتى بفكر طلائعي، جمع بين التقاليد الإعلامية المغربية وبين استشراف المستقبل. أطلق قناة تلفزيونية، دشن إذاعة وطنية، أعاد للوكالة بريقها وهيبتها، وجعل منها ذراعا سياديا ناطقا باسم الوطن في المنتديات الدولية.
أما فؤاد عارف، فلا يُذكر اسمه إلا مقرونا بالخمول، والتردد، والغياب التام عن المشهدين الوطني والدولي.
وإن أردت أن تدرك عمق الأزمة، فانظر إلى مديرية وسائل الإعلام، التي أضحت مثالا صارخا على سوء التسيير والفراغ المهني. فمدير هذه المديرية الذي تقول مصادرنا إنه يستعد للترحيل إلى مكتب السعودية هو أحد أكثر الوجوه إثارة للجدل. فيكفي أن القناة التلفزيونية فشلت في عهده، والإذاعة لفظت أنفاسها الأخيرة، والطاقم يعيش في دوامة العبث والتهميش، لأن مدير وسائل الإعلام هذا ، ببساطة، والذي أصبح مديرا بالصدفة، لا يفقه شيئا في الإعلام السمعي البصري.
تحت جناحه، يتربع رئيس قسم إذاعي بإذاعة “ريم راديو”، عرفته الأوساط المهنية بصبيانيته وأحاديثه الساذجة، وقد نشر موقع إلكتروني محادثة مثيرة بينه وبين مقدم نشرة أخبار استقال منذ أسابيع. هذه الحادثة كشفت جانبا خطيرا من التسيب: وساطات في التوظيف، ترويج لأسماء بعينها، خدمة لأبناء بلدته وبعض صديقاته… كأننا أمام سوق، لا مؤسسة وطنية.
أما في الزاوية الأخرى من المديرية نفسها، تقف رئيسة مصلحة اشتهرت بعجرفتها ونزعتها السلطوية وربما ذلك نتيجة اضطراب نفسي تعانيه، لا تملك من الكفاءة إلا ما تردّده عن نفسها. فهي تحاول للمرة الثالثة اجتياز امتحان الكفاءة المهنية للترقي إلى السلم 11، بعد إخفاق سابق، وطموحها الآن التسلل إلى مكتب دولي، رغم أنها لم تقدّم يوما إضافة ملموسة، لا في الإذاعة ولا في التلفزيون.
في عهد فؤاد عارف، تحوّلت وكالة المغرب العربي للأنباء إلى “شركة أشباح”: لا تُنتج إعلاما محترفا، ولا تصدر صوتا وازنا، ولا تواكب التحولات الرقمية التي تشهدها كبريات الوكالات العالمية.
لا مرجعية تحريرية، لا خط تحريري واضح، لا ابتكار، ولا استثمار في الطاقات الشابة.
فقط تسيير يومي بطيء، وسياسة تدوير الوجوه الباهتة.
أين نحن من السيادة الإعلامية؟
أين نحن من الدفاع عن القضايا الوطنية في الخارج؟
أين نحن من وكالة تُعطي صورة ناصعة عن المغرب في محيط دولي لا يرحم؟
الجواب: ضاع كل ذلك في عهد فؤاد عارف، وتحوّلت الوكالة إلى ركن مهجور في حقل الإعلام الوطني.
إننا اليوم أمام مرحلة مفصلية، والمغرب يخوض معارك دولية شرسة، ويواجه تحديات إقليمية كبرى، ويحتاج إلى إعلام قوي، محترف، سيادي… لا إلى وكالة تُدار بمنطق “إرضاء الخواطر” وتدوير الفشل.
لقد آن الأوان، بل تأخر الوقت، لتتدخل الجهات العليا وتُنقذ ما تبقى من مؤسسة لاماب.
آن للسيادة الإعلامية أن تُستعاد، وللكفاءة أن تُعطى مكانتها، وللرداءة أن تُحال على التقاعد الإجباري.
الوكالة اليوم تعيش التيه، وقد تفرّغ البعض فيها لتصفية الحسابات، وتهميش الكفاءات، وتمكين الرداءة. أما المواطن المغربي، الذي من حقه أن يطّلع على إعلام وطني مهني، يواكب تحولات بلاده، فقد صار يتلقّى أخبار وطنه من منصات أجنبية ومواقع فيسبوكية!
لقد بلغ السيل الزبى. وحان الوقت لتُستعاد للوكالة هيبتها،قبل أن تغدو اسما بلا معنى، ومؤسسة تدار بأسلوب القبيلة، لا بعقل الدولة.فالمغرب مقبل على تحديات جسام، لا تُجابه إلا بإعلام وطني قوي، حر، مسؤول…
وفؤاد عارف، بكل احترام، ليس رجل المرحلة.

شارك هذا المحتوى