
الأنباء بوست/ حسن المولوع
ما زال البلاغ الكوميدي الذي صدر عن عبد الله البقالي، الذي يحمل لقب “رئيس لجنة منح بطاقة الصحافة المهنية”، يثير موجات الضحك والاستهزاء على تصرفات شخص بلغ من الكبر عتيا، لكنه لا يزال يمارس لعبة “الهذيان المحترف” دون هوادة، متدحرجًا نحو قاع اللامنطق.
هذا البلاغ، الذي ظهر يوم الخميس 31 أكتوبر، هو في حقيقته وثيقة تُدرس في فصول “كيف لا تكون قانونيًا”. حيث يعترف البقالي، بكل طرافة وسذاجة، أنه يملك تسجيلًا صوتيًا لشخص يروج لبيع بطاقات مراسلين بمقابل مادي، وكأن البقالي، بكل سذاجة، يعلن فخرًا أنه ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وهي التستر وعدم التبليغ. فعوض أن يرسل هذا التسجيل إلى النيابة العامة، آثر أن يضع تاج “حارس التسجيلات” فوق رأسه، متجاهلًا تمامًا أن هذا التصرف يجعله مشاركًا في الجريمة، وربما بطلها المجهول الذي يعتلي عرش العبث.
أما السؤال الأبرز فهو: كيف حصل البقالي على هذا التسجيل الصوتي الذي هو بالأصل محادثة خاصة؟ إذ يواجه القانون الجنائي بصرامة نشر وتوزيع المحادثات الخاصة، مما يجعل صاحب البلاغ مشاركًا في جرم قانوني صريح، وربما حتى “فاعلًا أصليًا”، باعترافه الذي يعتبر “سيد الأدلة” في عالم القانون. وكأن السيد البقالي خرج ليقول لنا: “أخالف القانون وأستمتع بذلك!”
أما ما يتعلق بالتسجيل الصوتي المزعوم، فلا يمكن لمن يمتلك ذرة عقل أن يصدق أن شخصًا ما قد يكون بالغ السذاجة ليتحدث بمثل هذا الهراء المسجل، إلا إذا كان هناك من أوعز له بذلك في لعبة محبوكة بإتقان يوازي كوارث المسرح الرديء. هذه الفرضية، وإن كانت تبدو مبالغة، فهي الأقوى بين السيناريوهات التي تكشف حجم الاستغباء الذي يراد لنا أن نبتلعه.
والآن، على النيابة العامة أن تقوم بدورها البطولي وتسأل البقالي عن كيفية حصوله على هذه التحفة الصوتية، وتستقصي مع صاحب التسجيل لتتفكك الخيوط الواهية لهذه المهزلة، ويكتشف الجميع أن وراء البلاغ لا يوجد سوى دخان بلا نار.
وما يزيد المشهد هزلية هو نص البلاغ بحد ذاته، الذي يبدو وكأنه مكتوب بحبر البيروقراطية الثقيلة. إذ يبدأ بالإعلان عن اجتماع “اللجنة الموقرة”، وكأننا نتحدث عن لجنة للأمن القومي أو هيئة لحل أزمات الكوكب، وليس مجرد لجنة لتوزيع بطاقات الصحافة. أما ما يلي ذلك من تفاصيل، فهو مجرد استعراض باهت لكيفية تحويل إجراء بسيط إلى متاهة من الأوراق والتعقيدات التي تجعل حتى أكثر الصحافيين صبرًا يلعن الساعة التي قرر فيها أن يدخل هذه المهنة.
ويأتي استخدام الأرقام والإحصائيات كمسك الختام، حيث يتم تقديمها كإنجاز وطني عظيم، بينما الحقيقة أن هذه الأرقام ليست سوى دليل على البيروقراطية المتضخمة، وكأن البقالي أراد أن يقول: “انظروا، لقد زادت أعداد الضحايا الذين مروا عبر متاهة أوراقنا!”
ويصل البلاغ إلى خاتمته العظيمة، حيث يعلن البقالي بفخر أن اللجنة ستستمر في اجتماعاتها اللامتناهية، وكأن إصدار بطاقات الصحافة يحتاج إلى قمة عالمية، لاجتماعات وجلسات نقاش لا تنتهي، بينما الحل في غاية البساطة: اجتمعوا، تحدثوا، ثم تفرقوا في صمت حتى إشعار آخر، وكفى الله الصحافيين شر الإجراءات!
إن هذا البلاغ يروي لنا قصة مضحكة عن بيروقراطية تهدف فقط لإثبات أن الوصول إلى بطاقة صحافية أشبه بالانضمام لنادٍ سري يتطلب اجتياز اختبارات ملحمية، لا علاقة لها بالصحافة ولا بقيمتها الحقيقية.
وفي النهاية، يبدو أن الوقت قد حان ليغادر عبد الله البقالي المشهد، فقد أصبح منبوذًا، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت واضحة وصريحة في موقفها عندما أصدرت بلاغا تاريخيا أزال الغطاء عن ضعفه وتهاويه، مما يؤكد أن البقالي قد انتهى دوره في مسرحية لم يعد أحد يرغب في متابعتها.

شارك هذا المحتوى