
الأنباء بوست/ حسن المولوع
تشهد وكالة المغرب العربي للأنباء في ظل إدارة المدير العام فؤاد عارف أزمة غير مسبوقة من الاحتقان الداخلي والتذمر بين الصحافيين والعاملين.
تفاقم هذه الأجواء المتوترة يعود إلى سلسلة من الإخفاقات في إدارة الوكالة، خاصة فيما يتعلق بملف المكاتب الدولية الذي لا يزال يراوح مكانه. وهناك إشارات قوية على أن الفترة المقبلة قد تشهد تصعيداً غير مسبوق في هذا الشأن، مما ينذر بأزمة أعمق داخل الوكالة.
أزمة الوكالة تجاوزت حدود الخلافات الإدارية لتصبح مسألة وطنية تستدعي تدخل المؤسسات الدستورية ومن المتوقع أن يصل ملف وكالة المغرب العربي للأنباء إلى المجلس الأعلى للحسابات، وربما الى الديوان الملكي، نظراً لما يتردد عن ارتباطات فؤاد عارف بلوبيات الإعلام المتغلغلة في المؤسسات الإعلامية. وإذا ثبتت هذه الاتهامات، فإن هذا سيضعف مصداقية الوكالة ويعرضها للتشكيك في قدرتها على القيام بدورها كوكالة رسمية تمثل الدولة.
المقارنة بين ما يحدث في الوكالة وما يجري في القناة الثانية تعزز الحاجة إلى تدخل أعلى المستويات لوقف هذا النزيف. وتشابه الأزمات في هاتين المؤسستين الإعلاميتين يعكس حالة عامة من الفوضى والافتقار إلى القيادة الرشيدة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في سياسات تعيين المديرين وإعادة تقييم أدائهم بجدية.
وبدلاً من أن يركز فؤاد عارف على صياغة استراتيجية إعلامية تتماشى مع الخطاب الملكي الأخير، الذي شدد على ضرورة تعزيز الدفاع عن القضايا الوطنية مثل قضية الصحراء المغربية، نجده غارقاً في تصفية الحسابات الداخلية وتجاهل الإرث الإعلامي الذي خلفه الراحل خليل الهاشمي.
إنكار أفضال الهاشمي والتخلي عن المبادئ التي جعلت الوكالة صوتاً قوياً للمغرب على الساحة الدولية يُعد فشلاً ذريعاً يعكس عدم كفاءة الإدارة الحالية المتمثلة في فؤاد عارف ومستشاريه .
عجز فؤاد عارف عن تحقيق أي تقدم ملموس منذ توليه المنصب ليس مجرد مسألة داخلية، بل يتجاوز ذلك إلى كونه تهديداً لاستمرارية الوكالة في أداء مهامها. فالتعيينات في المكاتب الدولية باتت مسرحاً للمحاباة والزبونية، مما أضعف الوكالة في الخارج وعرّضها للانتقادات المتزايدة. في هذا الإطار، يمكن اقتراح تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقييم هذه التعيينات ومعرفة مدى كفاءتها وربط المسؤولية بالمحاسبة.
واللافت للنظر أن هناك أيضاً إهدار واضح للمال العام داخل الوكالة، خاصة فيما يتعلق بمشاريع إذاعة “ريم راديو” وقناة “M24″، اللتين لم تقدما أي قيمة مضافة تُذكر في عهد عارف رغم المصاريف الباهظة. فالتعويضات الخيالية التي يتلقاها بعض المسؤولين، مثل رئيس قسم “ريم راديو” ورئيسة مصلحة الإنتاج، تستدعي فتح تحقيق عاجل من قبل المجلس الأعلى للحسابات للوقوف على هذه الاختلالات وضمان تفعيل مبدأ الشفافية والمحاسبة.
أما فيما يتعلق بمدير وسائل الإعلام داخل الوكالة، الذي يُعتبر أحد المسؤولين عن سلسلة الفشل التي تعيشها المؤسسة، تظهر بوضوح محاولاته للبحث عن منصب دولي للاستفادة الشخصية على حساب المصلحة العامة. الامر الذي يستدعي أن يكون هناك إجراء فوري لمنعه من التهرب من مسؤولياته وإخضاعه لتقييم أدائه.
التسيب في إذاعة “ريم راديو” لا يمكن أن يستمر، فهناك برامج لا علاقة لها بالإعلام المهني تُبث، فضلاً عن عقود عمل بتعويضات كبيرة تُمنح لأشخاص متقاعدين لتقديم برامج لا يتابعها أحد . ومن الضروري وضع معايير جديدة لضمان جودة المحتوى الإعلامي المقدم وربط التعويضات بالإنتاجية الفعلية.
ومن أجل الخروج من هذه المشاكل، يبدو أنه أصبح من الضروري إعادة هيكلة الوكالة من خلال تعيين لجنة مستقلة من الخبراء الإعلاميين لتقييم الوضع الداخلي للوكالة ووضع خطط استراتيجية واضحة للعودة بها إلى المسار الصحيح.
كما أنه يجب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك بإجراء تدقيق شامل في كل المصاريف والتعيينات، مع محاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات أو اختلالات، وتعزيز الشفافية عبر نشر تقارير دورية عن أداء الوكالة وأنشطتها المالية والإدارية، وإشراك الصحافيين والعاملين في صنع القرارات الاستراتيجية لتفادي مزيد من الاحتقان الداخلي.
هذا إلى جانب تدخل الجهات العليا، إذ يبقى تدخل المستشار الملكي السيد فؤاد عالي الهمة ضرورة ملحة لتنبيه فؤاد عارف بشأن الفشل الذي وصلت إليه الوكالة، والتأكيد على ضرورة إرساء نظام جديد يُعيد للوكالة دورها كوكالة رسمية للدولة.
لقد بات من الواضح أن الوكالة اليوم تحتاج إلى إصلاحات جذرية وإلى قيادة جديدة تُدرك أهمية المرحلة الراهنة وتُعيد التركيز على القضايا الوطنية الكبرى، بدلاً من الاستمرار في تصفية الحسابات والعيش بمنطق القضاء على تركة الراحل خليل الهاشمي رحمه الله.

شارك هذا المحتوى