
الأنباء بوست/ حسن المولوع
من المعلوم أن حرية التعبير هي من أسمى المبادئ التي لا يجوز لأي شخص أو جهة المساس بها، فهي جزء من حقوق الإنسان الأساسية التي تضمنها الدساتير والقوانين الدولية. فحرية التعبير لا تعني فقط السماح للناس بالتعبير عن آرائهم بكل أريحية، بل تشمل أيضًا الحق في التعبير عن الآراء التي قد تكون صادمة أو غير مقبولة للبعض.
وفي هذا السياق، تصبح حرية التعبير جوهرًا من جوهر الديمقراطية وحجر الزاوية لأي مجتمع يحترم حقوق أفراده. وبالتالي ، يحق لأحمد الشرعي أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، حتى وإن كان هذا الرأي مخالفًا لبعض الأيديولوجيات أو المواقف السائدة أو يكون صادمًا. لأننا نؤمن بأن حرية التعبير لا تتجزأ ولا تُقيّد بمزاج الجمهور أو منطق الأغلبية، بل هي حق مقدس للجميع، بغض النظر عن ما إذا كانت آراء هؤلاء الأشخاص متوافقة مع السائد أو غير ذلك. فهذا الحق مكفول لكل شخص، سواء كان محبوبًا أو مكروهًا، سواء كانت آراؤه تعبر عن التيار العام أو تدعو للتغيير والاختلاف. بل إن البعض يصل إلى حد الشك في وجود الله، وهو أمر يُعتبر من باب حرية الفكر والتعبير.
وبالرجوع إلى حالة أحمد الشرعي، فقد عبر عن رأيه في وسيلة إعلامية أجنبية، وهي خطوة شخصية يتحمل فيها المسؤولية التامة عن أفكاره، تمامًا كما هو حال أي شخص آخر يعبر عن رأيه في الساحة العامة. ورغم أن مقال الشرعي قد يكون مثيرًا للجدل وصادمًا للبعض، إلا أنه من حقه أن يعبر عن رأيه بصدق وحرية. بل وإن من حق من يختلفون مع الشرعي أن يعبروا عن مواقفهم بحرية أيضًا، شريطة ألا يتجاوز ذلك حدود الاحترام المتبادل، وأن يكون النقاش مبنيًا على أسس عقلانية.
أما ما لا يمكن فهمه حقًا فهو استخدام البعض لمقال الشرعي في محاولة لتوزيع “شهادات الغفران” وفرض تصوراتهم الخاصة على الآخرين. فقد أصبح البعض يتعامل مع الاختلاف في الرأي على أنه نزاع شخصي أو حتى تهديد مباشر لهويتهم الفكرية، وهو ما يسيء إلى جو النقاش العام ويفقده مصداقيته. ومن المهم أن نتذكر أن الاختلاف في الرأي ليس جريمة، بل هو ما يغني الفكر ويعزز التطور الفكري في المجتمعات.
في نظري، يجب أن يُطرح مقال الشرعي في ساحة النقاش الفكري، حيث يتم تبادل الآراء والأفكار بحرية، بعيدًا عن ساحة الصراع وتصفية الحسابات. لأننا بحاجة إلى بيئة نقاشية تتسم بالنضج، حيث يتم احترام جميع الآراء وتبادلها في جو من التفاهم والاحترام، بعيدًا عن الشخصنة أو التهديدات. فبدلاً من أن يكون المقال مادة للهجوم والتشويه، يمكن أن يكون موضوعًا للنقاش العقلاني الذي يثري الفضاء العام.
وفي هذا السياق، يبرز بلاغ حزب العدالة والتنمية، الذي حاول أن يشخصن القضية بدلًا من التركيز على مضامين المقال. إذ تضمن نوعًا من التشهير بالشخص، وهو أمر يتعارض مع مبدأ التبادل الحر والآمن للأفكار. فكان من الأجدر بهذا الحزب المحترم أن يعبر عن مواقفه بطريقة عقلانية، دون أن يذهب إلى مهاجمة الشخص نفسه، بحيث يُساهم في تحريك النقاش العمومي بطريقة بنّاءة. لأن حرية الرأي تتطلب أن نتقبل جميع الآراء، وأن نختلف في إطار من الاحترام المتبادل، بعيدًا عن أساليب الهجوم الشخصي.
شخصيًا، أعتقد أن العديد من الذين يهاجمون أحمد الشرعي اليوم لا يهتمون بمضمون المقال بقدر ما يهاجمون من يدافعون عن الشرعي. فهؤلاء يشعرون بالاستفزاز ليس من محتوى المقال نفسه، بل من الشخصيات التي اختارت أن تدافع عن حرية الشرعي في التعبير عن رأيه. وقد أصبح الهجوم على المدافعين عن الشرعي أكثر لفتًا للانتباه من الهجوم على الشرعي ذاته.
وفي هذا الإطار، يتضح أيضًا أن من بين الاستفزازات هي تلك التي تتعلق ببعض المواقف الإعلامية الاستفزازية من طرف الإعلامي رضوان الرمضاني. ففي إحدى حلقاته، تجاوز حدود المهنية والأخلاق، حيث وصف حزب العدالة والتنمية بـ”الجماعة”. وهذا الوصف ليس مجرد رأي شخصي، بل هو هجوم مباشر على شرعية الحزب في المشهد السياسي المغربي، خصوصًا أن هذا الحزب كان قد حصل على ثقة الملك في قيادته للحكومة خلال ولايتين متتاليتين وفقًا للدستور والقانون. وهكذا، يصبح هذا التصريح ليس مجرد اجتهاد فكري، بل تهديدًا لشرعية المؤسسات السياسية في البلاد، وهذا ما يجعل هذا الوصف غير مقبول على الإطلاق. حتى إن طريقة الرمضاني في التعبير عن أفكاره تسيء للمؤسسة الإعلامية التي يدافع عنها وتعرض صاحبها، الذي هو أحمد الشرعي، إلى هجومات متتالية. فالرجل كما عهدناه يشتغل في الظل بعيدًا عن الأضواء، لكن بسبب الرمضاني ومن معه، يتعرض الشرعي عن طريقهم لتهجمات كثيرة ، إذن فالمشكلة في تلك الاستفزازات المتعمدة التي ينهجها الرمضاني ومن معه ، وعليهم في هذا الاتجاه مراجعة طريقتهم وعدم الظهور بمظهر الاستقواء والأستاذية حتى تكون لديهم المصداقية ويستطيعون عبرها تشكيل الرأي العام والتأثير عليه .
دعونا نعود إلى جوهر النقاش: حرية التعبير هي حق مكفول للجميع، ولا يمكن أن نقبل بمحاولات تكميم الأفواه تحت أي مبرر كان. فالاختلاف في الرأي أمر طبيعي، بل هو جزء من الحياة السياسية والفكرية. لكن التهجم الشخصي والترهيب لا ينبغي أن يكونا جزءًا من هذا النقاش. علينا أن نؤمن بأن الحوار والمناقشة هما الطريق الأفضل للتوصل إلى حلول مشتركة، وأن الاختلاف لا يعني العداء بل التنوع الذي يعزز الفهم المتبادل ويقوي المجتمع.

شارك هذا المحتوى