
الأنباء بوست / حسن المولوع
حينما أشرنا في مقال سابق تحت عنوان “ماهي أسباب وخلفيات التهجم على أمنيين كبار ومسؤولي الإعلام بالمغرب “ إلى مسألة الخطاب الإعلامي فكنا نعي جيدا ما نقول ونستحضر بكثير من القلق ما نعيشه الآن من تسيب وانتحال صفة الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية والتحدث باسمها بخطاب لا يرقى الى مستواها الرفيع الذي وصلت إليه منذ سنوات في ما يتعلق بالتواصل مع الرأي العام عبر خلايا التواصل سواء خلية التواصل المركزية او خلايا التواصل الموزعة على مختلف ولايات الأمن بالمملكة المغربية والتي تمد الصحافيين والصحافيات ببلاغاتها بشكل شبه يومي في إطار الحق في الحصول على المعلومة و أيضا في اطار الانفتاح الذي سنّه وتفرد به السيد عبد اللطيف حموشي المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني .
يتخذ بعض مغموري “اللايفات” والحسابات الفيسبوكية من المؤسسة الأمنية وسيلة للملاسنات وخلق الصراعات ، تحت ذريعة الدفاع عنها، في الوقت الذي لا تحتاج هذه المؤسسة الى دفاع او حتى مساندة ، ما ينتج عن ذلك اقحام مديرها العام السيد عبد اللطيف الحموشي في مناوشات تسيء إلى صورته ومكانته ، باعتباره رجلا من رجالات الدولة ورمزا من رموزها ، وبالتالي فتوقيره وعدم اقحامه في مستنقع الملاسنات اليوتيوبية ووحل الكتابات الشعبوية المليئة بتصفية الحسابات ، هو في حد ذاته خدمة كبيرة يمكن تقديمها إليه .
وإذا كان هذا الرجل يحظى بالثقة المولوية السامية على غرار باقي قادة المؤسسات السيادية في البلاد ، فإن كلام الضالين من أصحاب قنوات اليوتيوب في الخارج لن ينال منه او منهم ، ذلك أن من يقودون تلك المؤسسات، لم يقودوها عن طريق الانقلابات ، بل عن طريق ثقة السدة العالية بالله ، جلالة الملك ، الذي له مكانة كبيرة في الوجدان المغربي ، إذ أن اختياراته لرجالاته تأتي بناء على حكمة رشيدة يجمع عليها الشعب ، وبالتالي فهذا الشعب ليس بالقاصر او الساذج حتى يصدق كلام الضالين المضلين من مسيري قنوات اليوتيوب ، وينتظر من مغموري اللايفات وأصحاب الحسابات الفيسبوكية أن ينقدوه مما يقوله أصحاب تلك القنوات في الخارج ، وعليه فإن التبريرات التي يقدمها أصحاب تلك الحسابات الفيسبوكية للدفاع عن المؤسسات السيادية أو مساندتها ، هي تبريرات ضعيفة جدا لا تستند على أي أساس واقعي ، وهدفها واضح سيتم بيانه في السطور الآتية من هذا المقال ، فهم يقدمون تلك التبريرارات لأنهم أحسوا بأن البساط سيسحب من تحت أقدامهم ، وأن تجارتهم ستبور ، على اعتبار ان هذه المرحلة هي مرحلة الجدية كما أشار الى ذلك ملك البلاد .
إن ظاهرة التهجم على رموز الدولة ليست وليدة اليوم بل تطورت بتطور التكنولوجيا الحديثة التي قابلها موت الصحافة الورقية ، إذ أضحى التهجم على الرموز شعارا للبطولة المزيفة ، وادعاء الدفاع عنهم رمزا للوطنية ، ليصبح رموز الدولة عملة رائجة مدرة للدخل في سوق اليوتيوب والتيك توك والفيسبوك ، ويقع كل هذا في ظل غياب او تغييب الاعلام الجاد والهادف الذي يتحدث بلسان الحكمة والعقل ، وغيابه او تغييبه تم لغاية في نفس يعقوب .
عندما نبهنا النيابة العامة الموقرة في مقالنا السالف ذكره بالتدخل من أجل البحث مع من يتحدث باسم المؤسسة الأمنية ، فإننا لم نكن من المحرضين ، ذلك أننا كنا ندرك حجم خطورة ايهام الناس بالحديث المتكرر عن هذه هذه المؤسسة السيادية ، ولم يكن القصد بأي شكل من الأشكال الدعوة الى تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير ، لأن هذه الأخيرة حق كوني قبل أن يكون دستوري ، لكنها مقيدة بالمسؤولية ، ولا يمكن تحت هذا المسمى انتحال صفة والقفز على قواعد مهنة ينظمها القانون ، فليس باسم الإنسانية مثلا أن يقوم شخص بإجراء عملية جراحية لشخص ما وينتحل صفة طبيب ، وليس باسم الدفاع عن الحقوق تتم المرافعات أمام المحاكم ، وليس باسم الدفاع عن شخص تعرض لمكروه في الشارع العام أن يتم انتحال صفة شرطي ، وقس على ذلك أمورا كثيرة ، كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال جعل حرية التعبير أداة لتصفية الحسابات وجعل الحياة الخاصة للناس من صحافيين وزعماء سياسيين وفاعلين حزبيين عرضة للتناول العام وتقتيلهم معنويا ، وتصنيف المخالفين بالخونة والتخابر مع أعداء الوطن ، وهذا هو قصدنا وراء دعوة النيابة العامة الموقرة بإعطاء أوامرها للبحث في هكذا أمور ، لأنه ليس من حق أي أحد تصنيف المواطنين والمواطنات بناء على الاهواء الشخصية ، وليس من حق أي أحد أن يتهجم على عائلات من صدرت في حقهم أحكام قضائية ، لأن تصرفات من هذا القبيل توحي وكأن هناك إرادة القتل المعنوي للمحيط العائلي للسجين ، والحقيقة أن الدولة بأجهزتها براء من ذلك .
إن فلسفة هؤلاء تقوم على مبدأ ترهيب الدولة ، وتكرار لازمة بأن هناك خطر محدق بها ويتهدد مصالحها ، وأن هذا الخطر يأتي من الخارج ويقوده أشخاص لهم قنوات يوتيوبية ، ولذلك وجب التصدي لهم ، وهم بذلك يخلقون ما يسمى بحالة التأهب والاستنفار ، تلك الحالة عند تحليلها تجدها أنها ضد لا شيء ، وأن ذلك الخطر الذي صنعوه هو أوهن من بيت العنكبوت ، ولا حاجة لخطاب مضاد و ” سوقي ” يزيله من الشبكة العنكبوتية كما يدعيه البعض من خلال وضع تلك التبريرات الضعيفة ، ويتناسون أن التجاهل هو أقوى وسيلة للدفاع والهجوم ، فعندما تتجاهل خصمك وفي المقابل تحقق تقدما ونجاحا أمنيا وديبلوماسيا واقتصاديا فأنت هو المنتصر .
إن المغرب بلد عظيم شاء من شاء وكره من كره ، وخطاب اعلامييه من الضروري أن يرقى الى مستوى عظمته وفق إرادة ملكه ، لكن وللأسف الشديد نجد بعض الاعلام يستقطب بعضا ممن لفظتهم الحانات ، والبعض الآخر يقتات على وجود الصراعات ، واذا لم تكن فإنهم يخلقونها من أجل ادعاء دفاعهم عن المؤسسات ، والحقيقة أن هذا الدفاع ما هو الا غطاء من أجل البقاء واثبات الذات .
إن أصحاب تلك الحسابات الفيسبوكية او مغموري اللايفات ، يختارون بشكل مكشوف ادعاء الدفاع عن المؤسسة الأمنية أكثر من غيرها ، لكنك لن تجدهم يدافعون عن المواطن المغربي الذي أثقل كاهله ارتفاع الأسعار وهلم جرا من المشاكل التي يعيشها المواطنون والمواطنات ، لأنه وبكل بساطة هذا النوع من الدفاع غير مربح بالنسبة لهم وليس فيه أي مقابل.
لقد أصبح هؤلاء يشكلون خطرا على صورة البلاد ، فهم وُجدوا من فراغ الساحة الإعلامية حين توارى أصحاب الفكر والتحليل ، وتم التمكين للاعلام الفضائحي والتشهيري الذي يبحث عن الاثارة والخوض فقط في اعطاب المجتمع ، ويتأسس أغلبه على البلطجة والخطاب البذيء ، إذ أصبح لا صوت يعلوا فوق صوت ” الزعيق” ولا رؤيا غير رؤية الضباب الكثيف
أغلب من سلف ذكرهم ليست لديهم بصيرة سياسية ، ولا يجيدون قراءة الواقع السياسي للبلاد ، تلك القراءة لا يمكن اجادتها دون معرفة أحداث ما جرى في الماضي ، أي امتلاك ناصية قراءة التاريخ السياسي المغربي ، ويمكن إحالة هؤلاء الى العام 1994 حين فاجأ جلالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله العالم كله بإعلانه عبر خطاب تاريخي(اضغط هنا لقراءة الخطاب ) عن العفو الشامل لأزيد من 400 معتقل سياسي ، حيث قلب الصفحة الأخيرة من سنوات الرصاص ، وكل المفرج عنهم توزعت اصنافهم بين المنتمين لليسار الراديكالي وضباط متورطين في الانقلابات العسكرية ، والإسلاميين ، ونقابيين ، وبعض هؤلاء كانوا في حالة فرار خارج المغرب وبعضهم كان في سجون المملكة
وفي ظل الظروف الاقتصادية للمغرب آنذاك ، وجد المغفور له الحسن الثاني نفسه مطالبا بفتح باب الديمقراطية وفسح المجال للحقوق والحريات ، واقترح تشكيل حكومة التناوب مع شخصيات بارزة من الأحزاب التاريخية ، واستفاد هؤلاء من هذه الفرصة لتقديم فكرة الإصلاح ، وهكذا وفي نهاية المطاف تم تشكيل الحكومة شملت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال
ولأن القاعدة تقول ما أشبه اليوم بالأمس ( 2024/1994) ، ولو أن اليوم ليس بذلك السوداوية التي كانت ، فإنه من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه في هذه الجزئية ، ويقع العفو الشامل حتى على الذين هم الآن في ضلال بعيد ، عند اعلان توبتهم ، لأن الوطن غفور رحيم ، خاصة وأن النغرب اليوم يتراس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة ، هذا على المستوى الحقوقي ، اما على المستوى السياسي فيمكن لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الدخول للحكومة من أجل الانخراط في مسلسل الإصلاح السياسي والاقتصادي ، اذ أصبحت مؤشرات الدخول قوية خصوصا بعد انفجار قضية ما يسمى إعلاميا ب ” اسكوبار الصحراء ”
ولأنه وكما أسلفنا أن تلك الحسابات الفيسبوكية ومغموري اللايفات لا يجيد أصحابها قراءة الواقع السياسي ، فإنهم يعرقلون المسار الإصلاحي للبلاد بكلامهم العقيم المفتقد لملكات التحليل والتفكير والنقد ، وبالتالي وجب اتخاذ المتعين في هذا الباب ، واستئصال الاستئصاليين، واستعادة وهج الصحافة للمساهمة في هذا الباب ، فالمغرب هو بلد الجميع وليس بلد الانتفاعيين الذين يبحثون عن كل الوسائل الممكنة للاسترزاق تحت قناع الوطنية والولاء المصطنع للدولة وهي منهم براء ، فالوطنية الصادقة لا تباع ولا تشترى ، وليست بحثا عن تحقيق أهداف شخصية ، بل هي تجري في الدم والروح والقلب والعقل ، وليست وسيلة للاسترزاق ولا الاغتناء بها ، ولا البحث عن الامتيازات او تمويلات او عمل إضافي ، فهذا النوع من المسترزقين تجدهم أول من يكون في الرحلة الأولى في الطائرة عندما يقع أي طارئ في الوطن ، ولذلك فهم الخطر الداهم عليه
حمى الله وطننا من كل سوء ومكروه تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده

شارك هذا المحتوى