حمزة مون بيبي بين عالم ضبابي متصارع وبين واقع معاش ..ماذا سيستفيد الرأي العام ؟
الأنباء بوست / حسن المولوع
المتتبع للملف الذي أصبح مشهورا إعلاميا بحمزة مون بيبي ، سيستنتج ولو بشكل متأخر بأنه ملف لن يفيد الرأي العام في شيء، كيفما كانت نتيجته وأيا كانت الوجوه التي وراء صناعته والأهداف الرامية إلى إبرازه للوجود بهاته الهالة الإعلامية وكأنها جناية من الجنايات العظمى .
لقد تمت صناعة هذا الملف الآتي أساسا من عالم ضبابي ، بغية إلهاء الرأي العام عن قضاياه الجوهرية ، المرتبطة بالصحة والتعليم والحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية ، فالحسم في هذا الملف من طرف الجهات الموكول لها ذلك ، لن يؤدي فاتورة الماء والكهرباء ولا تكاليف الحياة اليومية ولن يحل المشاكل الإجتماعية ، فذلك عالم خاص بمن صنعه ولا يمت إلى واقعنا المعاش بصلة .
إن العالم الضبابي الذي أنتج لنا هذا اللقيط المسمى حمزة ، يتصارع فيه تياران وسط حلبة متعفنة ليس فيها شرف ولا مروءة ، حلبة تدور فيها تجارة المخدرات واللحوم البشرية، ويكون فيه البقاء للأقوى ، ويتم تاتيث هذا العالم بأهل الغناء والرقص الذين يكونون صلة وصل بين الزبون وصاحب التجارة ، وبطبيعة الحال، أهل الغناء والرقص يدورون كما تدور عقارب الساعة، وتستقر عقاربهم عند التيار الأقوى أو الذي صار قويا ، ففي نهاية المطاف هم مع من يدفع أكثر ، إنه عالم قائم بذاته وله أناسه لا يظهرون إلا في الليل ، أمكنة تواجدهم في الملاهي أو الشقق المعدة لأغراض خاصة ، ما يعني أن عالمنا النظيف الذي يبدأ في الصباح وينتهي في المساء لا علاقة له بالعالم المتسخ والقدر الذي نسميه بالعالم الضبابي، لأن أمواله تبقى مجهولة المصدر ويتم ترويجها في المجهول .
عندما أراد هذا العالم الضبابي أن يصنع له مكانا في العالم النظيف ، صنع مكانا له في العالم الإفتراضي عبر السناب شات والانستغرام ، ونقل لنا صراعاته التي هي في الأصل ليست بالجديدة، بل هي صراعات قديمة بقِدم التجارة المرتبطة بذلك العالم ، وصرنا نتلهف لمعرفة فصول تلك الصراعات ، وانصب اهتمامنا نحوها ، حتى نسينا عالمنا وما يشغل حياتنا اليومية ، ليتم استغلال هذا الاهتمام منا بصناعة ملف يشغلنا ويلهينا عن مشاكلنا الحقيقة ، حتى صارت مغنية لا قيمة فنية لها ولا خلفية ثقافية عندها يتم ترديد اسمها هنا وهناك، وكأنها أسطورة أو واحدة من الذين نهبوا الثروات أو سرقوا المال العام أو قامت بالاغتناء عن طريق المحروقات والذهب والفضة والصيد في أعالي البحار، وهلم جرا من الأشياء الحقيقية التي تستلزم منا الإهتمام والرصد والتتبع .
والعجيب والغريب أن هاته المغنية استطاعت أن تنقل صراع العالم الذي كانت تعيش فيه مع اشباهها إلى العالم الذي يسكنه المحامون والصحافيون واليوتيوبرز، فأصبحت كمادة دسمة خالقة للنقاش إن كان ذلك يسمى نقاشا ، فهو بالنسبة لي لا يعدوا إلا أن يكون لغطا او مجرد صراخ أشبه بالصراخ الموجود بالحمامات التقليدية ، وصار الجميع يحلل ويركب ، فاليوتيوبر يتكلمون عن القضية ، ويخرج الفقيه الذي كنا ننتظر بركته لكنه دخل المسجد ببلغته ليرد على بعضهم ، ويصير بدوره في دائرة الصراع لا لشيء سوى أنه ” خشا راسو فالنخالة ” ، فبدل أن يدافع عن مكولته داخل المحكمة كما هو متعارف عليه، صار يدافع عنها أمام الميكروفونات ، وتلك سقطة سقطها ولن يغفرها له التاريخ.
ومما يزيد من الإستغراب عن سابقه هو أن هناك من ينصب نفسه مدافعا عن مؤسسات الدولة وهو لا يدري أنه يسيء إليها من دون أن ينتبه، لأنه يعطي الحق لنفسه ويقول بأنني سأدافع عن مؤسسة ما، وهذا فيه نوع من التبخيس لمؤسسات أخرى ، إذ يعتبرها ضمنيا غير قادرة عن الدفاع عن نفسها ، ذلك أن دور الصحافي ليس هو الدفاع عن المؤسسات ، فالدفاع عنها يكون إما للجيش او الأجهزة الأمنية أو النيابة العامة إلى غير ذلك ، فمؤسسات الدولة تكمل بعضها البعض وتدافع عن نفسها ، ولا ينبغي أن يلعب الصحافي دورا أكبر من دوره ويفرغ المهنة من حجمها الحقيقي ويلبس ثيابا عسكريا بغرض الدفاع المزعوم ، الصحافي أكبر من هذا التقوقع والتموقع ، فهو انسان لا يجب أن يكون عاديا، لأن له عينا ترى ما لا يراه الآخر ، له رؤيا نقدية تدين واقعا معينا، وفي إدانتها لذلك الواقع تطالب بتغييره عن طريق طرح البدائل ، وتكون له قدرة على سبر الأغوار ، وما قرأته مؤخرا من (مقالات) وما استتبعها من ردود جعلني أقف مندهشا أمام وضع غير سليم يستلزم التقويم ليس من أي جهة بل من الأشخاص الذين خلقوا لأنفسهم جوا مشحونا إن وضعناه في ميزان العقلانية سنجد بأنه لن يفيد أي أحد ويضيع النقاش البناء الذي يساهم في تنوير الرأي العام، والسبب في هذا الوضع المرتبك هو مغنية أشك أنها تستطيع حتى كتابة اسمها بشكل سليم، خلقت صراعات جانبية ما كان لها أن تكون ، والمثير للإستغراب أن اليوتيوبرز الذين يتحدثون عن قضية حمزة مون بيبي أصبحوا هم أنفسهم يمارسون ما كان يمارسه من يتحكم في الحساب ، فالعنصر المشترك بينهم هو التشهير والسب والقذف ، وهذا ما يفعلونه بالضبط ، وكأنهم يعالجون مشكلا بمشكل آخر .
إن الملف المسمى بحمزة مون بيبي لا ولن يفيد الرأي العام في معيشه اليومي ، وسواء دخلت هاته المغنية للسجن أو انتحرت او قُتلت او ماتت لحظة وضعها للمولود إن كانت بالفعل حامل ، فإن ذلك لن يغير من واقعنا أي شيء ، وأفضل عقاب يمكن أن يعاقبها الجميع بعد العقاب النفسي الذي تعيشه الآن، هو عدم الاهتمام بها ورميها في غياهب النسيان ، وليست هاته القضية هي من ستفتح أعيننا عن أعطاب هي في الأصل كانت وما زالت موجودة ، ولا أحد باستطاعته أن ينكر بأنه لا وجود للفساد والمفسدين ، لكن، هل يجب معالجة ذلك الفساد بفساد مثله ؟ وهل يجب أن ندعي محاربة الفساد والمفسدين ونحن في الحقيقة نقوم بالتخريب والتدمير أم علينا أن نقوم بطرح المشكل وتبعاته وبعدها نقدم حلولا بعيدا عن ضرب هذا وذاك ؟ أسىئلة أطرحها على كل ذي عقل سليم .
إرسال التعليق