
الأنباء بوست/ حسن المولوع
عندما يُذكر اسم عمر الشرقاوي، يخطر بالبال مباشرة تلك التدوينات “النارية” التي تشبه عواصف الصيف: تثير ضجيجاً ولا تحمل مطراً. فهو الأستاذ الجامعي الذي لم يكتفِ بالجلوس خلف طاولته الأكاديمية، بل قرر أن يغزو الساحة العامة بسلاح الكلمات الفضفاضة، فتراه مرة يعلن نفسه حامي الحمى، ومرة أخرى يتحول إلى واعظ يجلد خصومه بخطب أشبه بالوعود الانتخابية: مبهرة من الخارج، فارغة من الداخل.
في معركته الأخيرة مع حميد المهدوي، حاول الشرقاوي رفع شعار “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، ولكنه نسي أن الهجوم يحتاج إلى ذخيرة من المصداقية، وليس فقط إلى حروف مرتبة في تدوينة تبحث عن أكبر عدد من اللايكات. فالمهدوي، الذي يدير معاركه بعقلية صحافي حر، لم يجد صعوبة في كشف تناقضات الشرقاوي، الذي يبدو أنه نسي أن العالم يشاهد، وأن الكلمات ليست مجرد زينة على صفحة فيسبوك.
وفي محاولة يائسة للرد على المهدوي، استعان الشرقاوي بـ”مقطع مركب”، وكأننا في عصر “حلقة جامع الفنا”، حيث يمكن أن تُقنع الجمهور بأي شيء طالما التصفيق موجود. لكن هذه “الحلقة” انقلبت على “الأستاذ المبجل”، لتتحول إلى “كوميديا سوداء” كشفت زيف أستاذ فضل “التدوين اليومي” على البحث العلمي، واختار اللايكات عوضاً عن التقديرات الأكاديمية.
ربما يعتقد الشرقاوي أن اللقب الجامعي يمنحه حصانة ضد النقد، وأنه يستطيع أن يختبئ وراء جدران الألقاب ليبرر كل موقف متناقض وكل تصريح متسرع. ولكنه نسي أن المصداقية لا تُمنح بمرسوم جامعي، ولا تُعلّق على الحائط إلى جانب الشهادات. هي تُبنى بالمواقف، بالثبات على المبادئ، وبالابتعاد عن تحويل القضايا الوطنية إلى مادة للتسلية.
المهدوي، في المقابل، ظل مخلصاً لقضيته، ولم يتراجع عن مبادئه رغم الحملات الممنهجة ضده. فهو يُدرك أن الصحافة ليست ساحة للتباهي، بل ميداناً للمواجهة، حيث يجب أن تقف في وجه كل من يحاول العبث بالحقائق.
فبينما كان الشرقاوي مشغولاً بنشر تدوينات “تحليلية” مليئة بالثغرات، كان المهدوي مشغولاً بتوجيه السهام نحو مكامن الخلل، ولم يكن بحاجة إلى أكثر من جمهوره الواعي ليُثبت أن الصحافة الحرة أقوى من أي حملة مغرضة.
قد يقول قائل إن الشرقاوي ضحية حملة غير عادلة، لكن الحقيقة أن من يزرع الريح يحصد العاصفة. فهو الذي اختار أن يُقحم نفسه في معارك ليست له، وبدلاً من أن يلتزم بحدود تخصصه الأكاديمي، قرر أن يلعب دور السياسي والصحافي والمحامي في آنٍ واحد، لينتهي به الأمر في موقع لا يُحسد عليه، مُحاطاً بأسئلة أكبر من قدرته على الإجابة.
يبدو أن الشرقاوي نسي قاعدة ذهبية: “المصداقية لا تُشترى، والمواقف لا تُستعار.” فما بين المهدوي والشرقاوي، تتضح الفوارق؛ الأول يقف بثبات على أرض الحقيقة، والثاني يتخبط في مستنقع التناقضات. أما الجمهور، فهو الحكم النهائي الذي لن ينخدع بشهادات جامعية لا تعكس الواقع.

شارك هذا المحتوى