
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في ظرف أسبوع واحد فقط، فجر الصحافي حميد المهدوي قنبلة إعلامية مدوية ليقلب الطاولة على العديد من الملفات الحساسة التي تتطلب تحركا عاجلا من النيابة العامة باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة بحماية المجتمع. فبأسلوبه الصحافي الجريء والاستقصائي، كشف المهدوي عن ملفين خطيرين أحدهما يهدد الأمن الاجتماعي ويكشفان عن شبكات خفية تشتغل بمنطق الخلايا الترهيبية، معتمدة على المساس بالشرف والقانون.
الملف الأول الذي فتحه المهدوي هذا الأسبوع يتعلق بشبهة التلاعب بالنظام المعلوماتي، حيث فوجئ الصحافي بتأشير “مقبول” على طلب تجديد بطاقته الصحافية، ليتبين لاحقا أن النظام قد تم التلاعب به بحيث أظهرت حالته أنه لا يزال “قيد المعالجة”. إذ أن هذا التلاعب ليس مجرد خطأ إداري، بل يعكس شبهة فساد تطال مؤسسة التنظيم الذاتي التي من المفترض أن تحمي حقوق الصحافيين. ولذا، فإن ما طرحه المهدوي حول هذه الشبهة يستدعي من اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر إصدار بيان توضيحي. وإذا لم يحدث ذلك، سيظل الأمر قضية رأي عام تتطلب تحقيقًا جادا من النيابة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك شكايات موضوعة لدى رئاسة النيابة العامة تكشف عن تورط بعض أعضاء اللجنة في استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، وهي تهم ثقيلة تتطلب جوابًا شفافًا من المعنيين. كما أن هناك من الصحافيين، وهو مدير نشر صحيفة إلكترونية، كان قد اتهم هذه اللجنة المؤقتة بحذف اسم موقعه من المنصة الإلكترونية الخاصة بالبطاقة المهنية حتى لا يتمكن من وضع طلب تجديد البطاقة المهنية في إطار تصفية حساباتها معه.
ويجب أن نذكر هنا أن أحد أعضاء هذه اللجنة هو موظف ملحق من طرف وزارة الشباب والثقافة المكلفة بقطاع التواصل، ويخضع لإشراف الوزير بنسعيد، الذي تربطه علاقات وثيقة بوزير العدل، وهو الوزير نفسه الذي يتابع المهدوي قضائيا. بالإضافة إلى ذلك، فالوزير بنسعيد هو الذي سهل الطريق للتمديد ليونس أمجاهد وإحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ضد إرادة الصحافيين. ويونس أمجاهد هو نفسه الذي يتابع المهدوي أمام لجنة الأخلاقيات. فهذا التداخل بين هذه الشخصيات يثير تساؤلات حول نزاهة التحقيقات وحقيقة محاكمة المهدوي في هذا السياق.
أما الملف الثاني الذي فجره المهدوي، فلم يكن مجرد ظهور إعلامي عابر، بل كان بمثابة قنبلة رعب. فقد بث عبر قناته مقطعا لفيديو يظهر رئيس إحدى الجمعيات وهو يعرض أوراقا مختومة للبيع لكل من يريد وضع شكاية ضد خصمه أو خصومه. وبينما تتوالى خيوط الفضائح في هذا الكشف، يبرز ارتباط هذا الشخص مع مجموعة من أصحاب قنوات اليوتيوب الذين لا يتورعون عن التشهير والطعن في الأعراض، مما يفضح شبكة معقدة من الأفعال المشبوهة.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمعطيات تكشف عن امتداد هذه الأنشطة إلى أفراد ينشطون في مجال القانون، مما يعزز فرضية أن هذه الشبكة تشتغل كخلية ترهيب إلكتروني، معتمدة على إطار قانوني لحماية أنشطتها المشبوهة. بحيث أن هذه الوقائع توضح أن هذه الخلية ليست مجرد مجموعة عشوائية، بل تعمل تحت مظلة قانونية وتستخدمها في نشر الفتنة. ولعل أول خطوة يجب اتخاذها هي إجراء جرد للشكايات المقدمة من طرف هذا الشخص إلى رئاسة النيابة العامة، وفتح تحقيق شامل من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بهدف كشف كافة الخيوط التي قد تقود إلى تفكيك هذه الشبكة.
إن هذا الشخص يعد عنصرًا جوهريا للكشف عن هذه الخلية وارتباطاتها وأهدافها، خاصة أن ضمن هذه الشبكة شخصيات ذات صلات قوية بالوزيرين بنسعيد ووزير العدل، الذين تربطهم علاقات متشابكة قد تقود إلى كشف المزيد من الحقائق المخفية. حيث إن ابن أحد الأشخاص الذين أظهرهم المهدوي عبر الصور يشتغل بديوان الوزير بنسعيد، وهذا الابن هو صديق لابن وزير العدل، الذي هو نفسه زميل للوزير بنسعيد في الحزب والحكومة، مما يجعل الهدف مشتركًا وهو استهداف حميد المهدوي لأسباب تبقى غامضة.
لكن المأساة في هذه القضية هو ما يتعرض له حميد المهدوي على المستوى الشخصي. ففي ظل هذه الضغوط والظلم المتواصل، يعاني المهدوي من هجوم ضاري على شرفه وشرف عائلته. وبدلاً من أن تلتفت النيابة العامة لهذا التحدي، تكتفي بالتفرج وكأن الأمر لا يعنيها. وفي هذا الوقت، يواصل الصحافي تحضير أطفاله نفسيًا لقبول الواقع المرير الذي قد ينتظرهم في أي لحظة، ويستعدهم لتقبل فكرة اعتقاله أو تشريدهم، في غياب أبسط شروط الحياة الكريمة مثل الأمان والسكينة.
يقف المهدوي اليوم وحيدا أمام آلة الظلم والتنكيل، ويخوض معركة شرسة لحماية شرفه وحقوقه في وقت يرفض فيه الجميع التدخل. إن هذا التراخي في اتخاذ الإجراءات الجادة يضع العدالة المغربية على المحك، ويثير تساؤلات كبيرة حول مصير الصحافيين في ظل هذه الظروف.

شارك هذا المحتوى