
الأنباء بوست / حسن المولوع
استضافت قناة فرانس 24 ضمن برنامجها وجها لوجه كلا من حنان رحاب بصفتها نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، وخالد بكاري بصفته ناشطا حقوقيا ، للحديث عن موضوع ” المغرب ..مناخ من القمع والتشهير “.
ولئن كان هذا الموضوع في غاية الأهمية بالنسبة لكل تواق لهامش أكبر من الحرية المتمثلة في الصحافة والرأي والتعبير ، وأيضا بالنسبة لكل مستنكر للقمع والتشهير ، فإن ذلك يدق ناقوس الخطر حول الوضعية التي آلت إليها قنواتنا التلفزيونية الغائبة عن ساحة النقاش الهام ، إذ كان من اللازم أن مثل هاته المواضيع أن تتم مناقشتها على “القطب المتجمد العمومي ” والذي يضم قنوات تم إغراقها بالرقص والميوعة ، ما جعل مواسم الهجرة إلى قنوات أجنبية تتم باستمرار ، وبطبيعة الحال فإن تلك القنوات ، لا تستقبل المعارضين أو المنتقدين لسياسة دولتهم حبا فيهم ،بل بكل تأكيد خدمة لأجندة محددة تخدم مصالح وسياسات مموليها، ولأجل ذلك تستضيف أصواتا معينة ، وتقوم على إعداد أسئلة تتماشى مع الطريقة التي ستجعل المجيب عنها يتفاعل معها بالشكل الذي ترغب فيه تلك القنوات ، في حين تتخذ من التحيز منهجا وأسلوبا بقناع المهنية المفترى عليها ، وتطرح أسئلة على شكل إدانة مسبقة، تستفز بها الطرف الآخر قصد الإيقاع به في المطب ، والمراوغة في طرح الأسئلة، وذلك من أجل الانتصار للرسالة التي يراد إيصالها ، عبر تضليل الرأي العام داخل المغرب وخارجه ، وهذا ما يحدث دائما على قناة فرانس 24 ومثيلاتها ، ففي النهاية نحن في حرب إعلامية ، ولا توجد أفضل وسيلة لضرب الخصم غير ضربه بأهله لصناعة مشهد يضفي مصداقية أكبر ، والمثير في الأمر أن ثلاث مغاربة يناقشون موضوعا يهم المغرب والمغاربة على قناة فرنسية (…) في موضوع محسوم أصلا ، لأنه سواء خالد البكاري الذي يمثل فئة، وحنان رحاب التي تمثل الفئة الأخرى ، هما في الأصل متفقان على أن هناك تراجع على مستوى حرية الصحافة ، وهناك فعلا تشهير على الرغم من أن هناك بعض التدوينات عقب البرنامج أشارت إلى أن حنان رحاب تؤيد صحافة التشهير ، فكيف لها أن تؤيد صحافة التشهير وهي أول من تم التشهير بها ، من طرف صحافي اشتكى ويشتكي مناصروه من حملة التشهير، وهذا الصحافي يعد من أبرز من كان يقوم بمثل هاته الحملات (…) والغريب في الأمر أننا لم نر أي ضجة أثيرت بهذا الخصوص ولا حملة تضامن ولا مانيفستو ولا اهتمام أو التفاتة من قناة فرانس 24 المحترمة ، فهل الذين تم التشهير بهم في وقت سابق ليسوا ببشر وليست لهم عائلات ولا أبناء وبنات ؟ وهل يوجد بفرنسا مسؤول عن جريدة من أبرز الجرائد يتكلم بتلك الطريقة ويتهم الناس ” بالقحب والشذوذ ” ؟ وهناك أشياء كثيرة نخبئها للأيام (…)
التدوينة أعلاه هي التي جعلت حنان رحاب تذكر بها عبر صفحتها ليلة الخميس 13 غشت الجاري ، إليكم التدوينة
تدوينة أخرى لنفس الشخص من بين تدوينات كثيرة ومقالات نحتفظ بها، هاته التدوينة يتهم فيها صاحب موقع برلمان كوم بالشذوذ الجنسي ويرفقها برابط لموقع يتهم فيه نفس الشخص بما سبق ، ليطرح السؤال، هل إذا كنت مختلفا مع شخص ما يحق لك أن تقوم بالتشهير به وسبه وقذفه ، حتى ولو كان على سبيل المثال مختلفا معك في المعتقد ؟ وهل هذا المستوى يليق بمستوى مسؤول عن جريدة محترمة ؟ وهل المسؤول عن جريدة محترمة يمكن أن يتم استفزازه بسهولة ويكون له رد فعل مثل هذا ؟ وهل يحق لمن مارس التشهير ، أن يشتكي منه ويتباكى اليوم من شدة ألمه ؟ ونحن لا نتهم أحدا ولا ندافع عن أحد ولسنا أنذالا لنشمت في الآخر ولكن لكل حدث حديث، وفي كل حديث يستوجب الذكرى والتذكير من أجل أن يعاد القطار إلى سكته ، وضبط العداد في النقطة الصفر ، ليكون النقاش حول موضوع التشهير سليما ولا تشوبه شائبة ولا يكون فيه التحيز لجهة دون أخرى ويكون التضامن عن طريق الانتقاء …
والآن نطلع على التدوينة وبعدها ننتقل لنكمل الحديث حول حلقة وجها لوجه
وإذا أردنا أن نلوم ، لا يجب توجيه اللوم لقناة فرانس 24 و قنوات شبيهة بها ، بل يجب توجيهه لقنواتنا ومسؤوليها الذين اعتمدوا سياسة إقصاء الأصوات المعارضة أو المنتقدة ، وحولوا إعلامنا إلى مجرد وسائل تواصلية ، تجميلية ، تطبيلية وتزميرية ، لا وجود لبرامج التحقيق ولا برامج حوارية سياسية أو ثقافية بشكل يومي ، وللأسف حتى البرامج الترفيهية فشلوا فيها ، والميوعة لم يفلحوا فيها أيضا.
لدينا أعطاب في إعلامنا نعم ، لكن لا يجب أن نكون قنابل موقوتة في يد من يريد أن يضربنا ويأكل الثوم بأفواهنا ، فليحاول هؤلاء المتبجحون أن يصنعوا على سبيل المثال فيلما وثائقيا عن الحماية الفرنسية بالمغرب أو انجاز تحقيق للحديث عن عطب من الأعطاب في فرنسا أو قضية من القضايا ، ويجربوا حظهم في التصوير مع مواطنين فرنسيين ومسؤولين ، ويقولون لهم على سبيل المثال نحن شركة انتاج نود انجاز كذا حول كذا لنبته على قناة مغربية أو على الأقل على موقع إلكتروني ، فليفعلوا هذا إن استطاعوا فعل ذلك (…) حينها سيكتشفون نتيجة مبهرة ، قد تصدمهم ، ويكتشفوا حقيقة أنفسهم ، حقيقة أنهم مجرد أدوات يتم استغلالها في حرب إعلامية ، ففرنسا من المستحيل أن تغير نظرة الاستعلاء في حق من ارتموا في حضنها كأنها جنة الخلد ، فكل من يفوض أمره إليها ما هو إلا عبد من عبادها (…).
وبعيدا عن لغة التقييم ، بخصوص حلقة وجها لوجه ، التي يصاحبها التصفيق لطرف وتصنيف طرف آخر في خانة من الخانات ، وكأن البرنامج هو برنامج فرجوي أو حلبة لصراع الديكة ، وبالتالي فإن من شأن ذلك أن يفقد موضوع الحلقة قيمته ومعناه –بعيدا عن تلك اللغة – يجب ذكر ملاحظة أساسية تتعلق بالحلقة ، وهي أنه لم يتم تحديد إطار للنقاش ، بحيث أن الصحافية مسيرة البرنامج لم تحدد في سؤالها عن أي حرية تتحدث ؟ هل تتحدث عن حرية الصحافة باعتبارها مهنة تنظمها قواعد مهنية وأخلاقية وقانونية ؟ أم تتحدث عن حرية التعبير المتعددة الأشكال والتي يمارسها أي مواطن بدءا من التدوين على الفيسبوك ومرورا بكل الأشكال التعبيرية كالمسرح والسينما والغناء …الخ ، هاته الأشكال التي ذكرناها هي أبرز الأشكال التي من الممكن أن توجه انتقادات لاذعة للسلطة والتحدث في طابو من الطابوهات (…)
لقد حاولت حنان رحاب في مداخلتها الأولى أن تحدد إطارا للنقاش حينما ذكرت مسألة العريضة التي قيل أنه وقع عليها أكثر من 400 شخص ، وقيل بأنهم من الفنانين ، بحيث أن أغلبهم حاول الركوب على أمواج النقاش المرتبط بالتضييق على حرية الصحافيين والتشهير بهم ، وهذا ما دفع برحاب بالقول أن تلك الحرية غير ممسوسة وأضافت فيما معناه بأن توقيع العرائض ونشرها من صميم الديمقراطية ، وسواء حصل الاتفاق أو لم يحصل في الطريقة التي ذكرت ذلك بها ، فإن الاتفاق سيكون حول عدم وجود أي مضايقات تتعلق بالفنانين والفنانات ، بالعكس فهؤلاء يكرمون بالأوسمة ، ولم يثبت أن تم ايقاف مسرحية أو منع فيلم سينمائي أو أغنية تحترم الضوابط الفنية المتعارف عليها ، أو أن هناك فنانا تعرض للمضايقات أو دخل السجن بسبب منتوج فني، ففي نظرنا هناك فنان فاشل غير معروف، غائب عن الساحة وأراد الركوب على وضع لا علاقة له به ليكسب بعضا من النقط في معدلات الشهرة على حساب نقاش أثير وهو بعيد عنه كل البعد ، اللهم إن كان فنانا بالصفة ، ومخابراتيا بصفة أخرى يقوم بنقل المعلومات من الحانات إلى الجهات إياها تحت الغطاء الثقافي والإبداعي وهلم جرا من الأغطية (…) فهذا موضوع آخر، مع العلم أن النقاش كانت نقطة انطلاقه بشأن العريضة إياها ، وبالتالي فإن حضور رحاب ضمن البرنامج كان بصفتها المهنية والنقابية ، ومسؤوليتها لا يجب أن تخرج عن إطار الدفاع عن حرية الصحافة التي لا يختلف حولها اثنان في كونها تعرف تراجعا سواء من حيث المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون والصحافيات أو من حيث ضعف التكوين ، إذ لا يجب أن نغفل هذا المعطى الأساسي ، إضافة إلى أن موقع المسؤولية لحنان رحاب يفرض عليها تحديد إطار النقاش قبل الدخول فيه لأنها تتكلم باسم تنظيم ولا تتكلم باسمها ، بخلاف السيد خالد بكاري الذي حضر بصفته كناشط حقوقي بدون انتماء لأي تنظيم ، وهنا يمكن له أن يقول أي شيء ، وهو بالمناسبة فلقد كانت أفكاره مرتبة وقدمها بهدوء ، وأن ما قاله ، هو ما يقوله الجميع ويتفق عليه الجميع ، وبكل تأكيد حتى حنان رحاب بصفتيها البرلمانية والنقابية فهي تتفق بخصوصه ، وهو الأمر الذي تؤكده تدويناتها اليومية والذي تشتغل عنه يوميا في الميدان ، صحيح أنه كان هناك تشنج وانفعال من طرفها ، ولكن لا يجب أن نغفل بأنه كان هناك أيضا استفزاز من طرف مسيرة البرنامج، وهذا طبيعي جدا لأن حلبة الجدال الفكري تتطلب ذلك ،وبالتالي لا يمكن أن نعاتب شخصا على لحظة انفعالية وننسف بها كل أفكاره وقناعاته ، ونصنفه في خانة من الخانات ، أضف إلى هذا ، أنه من غير المعقول أن يشجب الجميع ما يسمى بصحافة التشهير وفي الوقت نفسه نرى أنه تم التشهير برحاب عقب نهاية الحلقة عن طريق تدوينات ، البعض منها تضمن ألفاظا قدحية ، إذ لا يجب أن ننتقد وضعا شاذا وفي المقابل نمارس مثله ، وفي النهاية فذلك مجرد نقاش .
إن غالبية المجتمع المغربي بكل مكوناته وتوجهاته يعترف بأن هناك تراجعا خطيرا على مستوى حرية الصحافة وحرية التعبير في الشق المتعلق بالتدوين على مواقع التواصل الاجتماعي ، وجميعنا يستنكر القمع ويشجب التشهير، لكن ثمة مصطلح دخيل بدأ يتردد مؤخرا ، وهو صحافة التشهير ، ماذا نقصد بالضبط بصحافة التشهير وهل أصبحت لدينا صحافات حتى يتيم تصنيفها ؟ حسب ما هو معلوم أن هناك صحافة واحدة وهي تلك الرسالة النبيلة التي تحترم القواعد المهنية والأخلاقية والقانون ، ومن ينزاح عن تلك القواعد هناك مؤسسات تعنى بضبط هذا الانزياح ونخص هنا مؤسسة القضاء ، ثم لماذا وبالضبط في هذا التوقيت أثير هذا الموضوع ؟ علما أن هناك أشخاص تم التشهير بهم في وقت سابق على يد أشخاص هم أنفسهم يشجبون الآن التشهير في حقهم .
لقد أثير موضوع التشهير وعرف حملة تضامن واسعة على صفحات الفيسبوك بعد قام أحد المواقع الإلكترونية بكتابة مقالات عن أشخاص معينين لبسوا جلباب النضال ،وعرفوا بانتقاداتهم لمسؤولين بالدولة ، فأخذ هذا الموقع يقدم لقرائه معطيات تتعلق بهم ( صحيحة أم خاطئة لسنا ندري ، العلم عند أصحابها وعند كاتبها ) ،وبدل أن يتم نفيها ودحضها بالحجة أو تقديم شكاية في الموضوع ، لجأ الأشخاص الذين يعنيهم الأمر إلى التباكي وتجييش أنصارهم لأن الأمر لم يرقهم وكأنهم يقولون نحن نفضح الآخر ولكن لا يحق لكم أن تفضحونا ، فكان أن تم التشهير بصاحب الموقع وتحريض الجميع بإلغاء اشتراكاتهم بالصفحة ، وتناسوا عبثا بأن هذا الموقع يشغل مجموعة من الأشخاص لا علاقة لهم بأي شيء ، وإذا ما تضرر الموقع فإن الضرر سيلحق بهم ، وفي الواقع هذا أمر عجيب وغريب ، إذ كيف تتم معالجة وضع غير سليم بسلوك أشد فظاعة منه ،وفي هذا الباب نقاش طويل لا يسع المجال للخوض فيه حتى لا نزيع عن الموضوع الذي نحن بصدد التطرق إليه .
إن الذين ينتقدون الصحافة ويصفونها بأنها ترقص على إيقاعات السلطة ، ويعطون لأنفسهم الحق في تقسيم الجسم الصحافي بين صالح وطالح لا لشيء إلا لأن كل واحد حر في اختياراته ، بإمكانهم أن يؤسسوا مواقع إلكترونية لا ترقص على إيقاع السلطة ، شريطة ألا ترقص على ايقاعات قطر أو الإمارات أو ما يوجد ببريطانيا أو فرنسا أو هولندا وبلجيكا ، بمعنى تكون عندهم الاستقلالية الحقيقية ، ويؤسسوا جمعية تضم تلك المواقع ويتم دعمها عن طريقها ، فلماذا إذن لم يقوموا بذلك ؟ هل قاموا بمبادرة من هذا القبيل وتم منعهم ؟
للأسف إننا نكتشف أن هاته الفئة تبكي وتشتكي ، وفي نفس الوقت فهي جالسة لا تتحرك ، وكأنها تائهة بدون هدف ، لا تجد إلا حواسيبها وهواتفها الذكية وتلعن الظلام صباح مساء دون أن توقظ شمعة ، فعندما كنا نحن نناضل من أجل تنظيم المهنة وتأسيس المجلس الوطني للصحافة وبعد تأسيسه واصلنا انتقاداتنا له، كان هؤلاء الذين يتكلمون اليوم ويوقعون على العرائض في العدم ، تعرضنا للمتابعات في إطار قانون الصحافة والنشر لكننا لم نستسلم ، والطابور الذي يتضامن من أجل تنفيذ أجندات معينة لم يتضامن معنا في يوم من الأيام ، أذكر هنا على سبيل الأستاذ المعطي منجب والأستاذة خديجة الرياضي اللذان يعلمان تفاصيل ما نقصده ، ولكن لأنهما وغيرهم يعلمون بأننا بسطاء كبساطة مول الكاسكيطة وأن تضامنهم مع الأشخاص يتم بالانتقائية ، فإنهم يفضلون التضامن مع من يشتغل مع جهات خارجية ليقيموا الدنيا ويقعدوها ، هناك بوح كثير لا نريد الإفصاح عنه ، فالتاريخ وحده هو من سيذكر سيرة الأولين والآخرين ، لأن التضامن يكون من أجل المبادئ وليس من أجل الاشخاص والأجندات .

شارك هذا المحتوى