
الأنباء بوست / حسن المولوع
في مثل هذا اليوم منذ عامين كاملين، ترجل الفارس، وغاب النبيل، وتوقفت ساعة الأناقة الإعلامية عن الدوران…
رحل خليل الهاشمي الإدريسي، الرجل الذي لم يكن مجرد مدير عام لوكالة المغرب العربي للأنباء، بل كان فكرة سامية تمشي على قدمين، وكان حلما يسكن تفاصيل المؤسسة، يشجع، يُلهم، يبني، ويحتضن.
رحل الرجل… فغابت الهيبة، وغربت الشمس، وبقي المكان يردد صدى فراغٍ يتكسّر على جدران المعنى، وكأن القلم يبكي، والميكروفون يئن، والكاميرا تنكّست عدستها حزنا على زمن لن يتكرر.
لم يكن الراحل فقط عاشقًا للثقافة، بل كان رسولا لها، يحملها بين جنبيه شغفا ومسؤولية. كان إذا ابتسم، نبت على وجوه الصحافيين ربيعٌ من الأمل، وإذا تحدث، أنصت الحرف واستقامت العبارة.
لقد كان الأستاذ خليل كما عرفته من طينة أولئك الذين إذا حضروا أبهجوا، وإذا غابوا أوجعوا.
كان أنيق الفكر، ناعم الكلمة، عميق الرؤية، يعرف الصحافي باسمه وهمّه، ويحتضن الفكرة قبل صاحبها.
كان أبًا لا سجّانا، حاضنا لا طاردا، محفزا لا محبطا.
أطلق قناة، أسس إذاعة، زرع الحلم، وسقاها من نُبل رؤيته الثقافية المتفرّدة.
أراد للوكالة أن تكون إمبراطورية إعلامية وطنية، لا تخاف في حبّ الوطن لومة لائم، ولا تُهادن في قول الحقيقة أحدًا.
لكن… آهٍ من بعدك يا خليل!
ماذا بقي من الحلم؟
من النُّبل؟
من المجد الذي بنيت بالجهد والفكرة والروح؟
لقد جاء بعدك من لا يعرف من الإعلام إلا اسمه، ولا من المسؤولية إلا بريقها الزائف.
جاء فؤاد عارف…
اسمٌ على غير مسمى، عبور باهت في صرح كان منارة.
رجلٌ، بكل أسى، لا يفقه من السمعي البصري إلا صدى عجزه، ولا من القيادة إلا وَهْم التسلط.
سقطت الوكالة في عهده من عليائها، وانطفأت أنوارها، وتحولت إلى جثة مهنية هامدة.
اليوم، القناة تترنّح، الإذاعة لفظت أنفاسها، الطاقم يعيش التيه والخذلان، والرداءة تسود المشهد بلا خجل.
انكسر الإبداع، وذبل الحماس، وخفت الصوت، وتحوّلت الوكالة إلى بناية ثقيلة الظل، غريبة عن أهلها، مشوهة الملامح، فاقدة المعنى.
انهار كل شيء…
وتكسّر الحلم كما تتكسر الصحف القديمة في زوايا النسيان.
تاه الصحافي في بيته، وأضحى الطموح يتسوّل بين أبواب من لا قلب لهم، ومن لا صلة لهم بالرسالة ولا شرف الحِرفة.
الوكالة اليوم لم تعد وكالة.
بل مسخٌ هجين، فاقد للهوية، مدفون في زمن الرداءة، مسكون بروح الخيبة.
وحدها الذكرى تُنير عتمتها، واسمك، يا خليل، يبقى النور الذي لا ينطفئ.
يا خليل، سامحنا…
خانوا الحلم الذي بنيت، لوّثوا الرسالة التي رفعت، هدموا ما شيّدت بعرقك وأفكارك وحبك العميق لهذه المهنة النبيلة.
رحمك الله أيها النبيل، وغفر لك، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، ورفع منزلتك كما رفعت منسوب الكرامة داخل هذا البيت الصحفي ذات زمن.
ونختم كما يختم الموجوعون على أوراق الغياب:
رحم الله رجلا عاش كبيرًا، ومات عزيزا، وما خلّف إلا شمسا في الذاكرة، وسؤالا حارقا: من يعيد النور بعد انطفائه؟
سلامٌ عليك في الخالدين، وسُخطٌ على من حوّل المجد إلى خراب، والصحافة إلى عبث.
سلام على زمنك، وسُخط على من جاء بعدك.
سلام على شموخك، وعلى ما بنيت من ضوء، في زمنٍ غلب فيه ظلام الارتجال.

شارك هذا المحتوى