
الأنباء بوست/ حسن المولوع
يبدو أن المختار لغزيوي لم يكتب مقالا، بل نثر خربشات تحاول أن تتخذ شكل المقال، نشرها في جريدة الأحداث المغربية، التي فقدت بريقها في عهده. ولأن خربشاته لم تُقرأ، فقد أعاد نشرها على حائطه الفيسبوكي، المليء بالتصابي، والذي لا يليق بمدير نشر واحدة من أعرق الصحف المغربية. فمن المفترض أن يكون هذا المختار من النخبة المثقفة، لا من المتصابين.
الخربشة، التي عنونها بـ “يونس والآخرون”، ليست سوى تملق مفضوح ومبالغ فيه ليونس مجاهد ولوبي الإعلام المهيمن في المغرب. فهي لا تعدو كونها صدى لصوت المصالح الضيقة، حيث يحاول لغزيوي أن يصنع بطولة وهمية من لا شيء، محاولا إضفاء هالة على شخصيات انتهى وقتها، تماما كما انتهى زمن الصحافة التي يروج لها.
المقال يفتقد إلى أي تحليل جاد أو طرح متزن، بل يبدو وكأنه كُتب تحت تأثير انفعال طفولي، يخلط بين الدفاع الأعمى والهجوم العشوائي، دون تقديم أي حجة مقنعة. فلغزيوي يتحدث عن “الاهتزازات الارتدادية”، لكنه لم يدرك أن مقاله نفسه لا يعدو كونه رجع صدى لأجندات معروفة، تُستخدم لمهاجمة كل من يرفض الخضوع للوبي الإعلامي الفاسد.
ما يثير الشفقة في هذا النص هو محاولة لغزيوي تقديم يونس مجاهد كشخصية ملحمية، بينما الواقع أن مجاهد لم يكن سوى بيدق صغير في آلة المصالح حسب ما نلاحظه ، يتحرك وفق ما تمليه عليه مراكز القوى التي تحكم المشهد الإعلامي المغربي. بل إن يونس مجاهد، منذ توليه رئاسة المجلس الوطني للصحافة، عمّت الفوضى قطاع الصحافة والنشر، ولم يستطع تأسيس استراتيجية لتنظيم المهنة كما يدّعي في كل مناسبة، بل صنع استراتيجية أفضت إلى الفوضى وخلق حالة من الشتات في الجسم المهني. وإذا كانت له الشجاعة، فليترشح للانتخابات ليكتشف حقيقة نفسه: هل هو مرغوب فيه أم أن الصحافيين قد سئموا منه؟
أي تنظيم لهذا القطاع والهدف الأسمى عندهم هو القضاء على المقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة، التي أصبحت أكثر تأثيرًا من جريدة الأحداث المغربية، التي لا يقرؤها أحد حتى لو تم توزيعها بالمجان؟ بل إن المختار نفسه تجاوزه الزمن الإعلامي ولم يحاول تطوير أسلوبه، وبقي رهينًا لقوالب تقليدية أكل عليها الدهر وشرب. فكل من حوله تطور وطور خطابه الإعلامي إلا هو، فقد بقي حبيسًا لجلباب قديم بلا رؤية ولا تأثير، لكونه لا يواكب تطورات الإعلام في العالم بأسره، ويعتقد أن الحذلقة والتصابي يمكن أن يصنعا منه كاتبا مؤثرا. فلا هو من الشباب ليؤثر فيهم، ولا هو من الشيوخ ليكون حكيما، بل صحافي بلا هوية، كغراب يحاول تقليد حمامة، فنسي مشيته ولم يستطع تقليد الحمامة.
إن دفاع المختار عن مجاهد هنا ليس إلا دفاعا عن امتيازات محفوظة، وليس عن الصحافة أو الحقيقة التي يحاول إخفاءها.
يونس مجاهد، الذي يحاول لغزيوي أن يلبسه عباءة المناضلين، لم يكن يوما سوى ظلٍّ باهت لشبكات المصالح التي صنعته، ثم ركنته جانبًا عندما انتهت صلاحيته. رجلٌ احترف التسلق باسم المهنة، لكنه لم يكتب يومًا نصًا يبقى، لم يُنتج فكرة تستحق النقاش، ولم يصنع أثرًا يُذكر سوى كونه موظفًا في خدمة الحظيرة الإعلامية. فأمثاله لا يُخلَّدون في ذاكرة الصحافة، بل يُرمى بهم إلى أرشيف النسيان بمجرد انتهاء دورهم الوظيفي.
ولأنه بلا بصمة، بلا قضية، بلا موقف حقيقي، لم يجد مجاهد من يدافع عنه سوى مختار لغزيوي، الصحافي الذي يعيش على فتات الموائد الإعلامية، يكتب ما يُملى عليه، وينتقد من يُطلب منه انتقادهم. وكأنهما وجهان لعملة واحدة: الأول يبيع الولاء، والثاني يروج له. ومع ذلك، لن يُغير مقال لغزيوي شيئًا، فالأسماء التي لا تستند إلى مواقف حقيقية تبقى مجرد عابر في المشهد، مثل ورقة سقطت من شجرة في خريفٍ لا نهاية له.
يبدو أن لغزيوي لم يدرك أن المقالات لا تُقاس بعدد الكلمات، بل بعمق الفكرة، وهذا ما يفتقده نصه بالكامل. فأسلوبه، كما العادة، مليء بالاستعراض اللغوي الفارغ، حيث يحاول أن يبدو حادًا دون أن يكون كذلك، وينتقد دون أن يمتلك شرعية النقد. والنتيجة؟ مقال بلا تأثير، بلا قيمة، بلا هدف، إلا خدمة أجندة مكشوفة.
إذا كان لغزيوي يعتقد أن الصحافة مجرد ولاء أعمى، فهو بذلك يعترف ضمنيا بأنه مجرد كاتب مأجور، لا يكتب إلا بأوامر، ولا ينتقد إلا بتوجيهات. فالصحافة الحقيقية لا تحتاج إلى مقالات مملاة، ولا إلى مدافعين بلا قضية، بل تحتاج إلى أصوات حرة، وهو ما لن تجده أبدًا في نصوص مثل هذه، التي لا تتجاوز كونها بيانا تضليليا يخدم نخبة إعلامية متآكلة.

شارك هذا المحتوى