
الأنباء بوست/ حسن المولوع
مرت شهور طويلة منذ أن تفجّرت فضيحة الدراسات التي زلزلت أركان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا يزال إدريس لشكر ومحيطه يراهنون على الصمت المطبق، وكأنهم يملكون رفاهية تجاهل مؤسسة دستورية بحجم المجلس الأعلى للحسابات، الذي كشف المستور وعرّى شبكة المصالح التي حوّلت الحزب من قلعة نضالية إلى مرتع للريع والمحسوبيات.
فضيحة مدوية بمئات الملايين من أموال الشعب أظهرت أن الحزب، الذي كان يومًا رمزًا للنزاهة والنضال، تحول إلى آلة ريعية تخدم طموحات قيادات بعينها لا تتورع عن استغلال مناصبها لتكديس الثروات على حساب القيم والمبادئ. فلا بيان توضيحي يزيل الغموض، ولا تحقيق يُفتح لإنصاف الحقيقة، ولا حتى تلميح لتحمل المسؤولية.
لعبة النسيان التي يحاول لشكر لعبها تعد مقامرة خاسرة، لأن الرأي العام أصبح أكثر وعيًا، ولن يسمح بمرور مثل هذه الفضيحة مرور الكرام. ففضيحة مكتب الدراسات “MELA STRATEGIE & CONSEIL”، الذي أُنشئ خصيصًا لابتلاع ملايين الدراهم تحت غطاء “دراسات”، ليس سوى رأس جبل الجليد الذي يخفي شبكة من المصالح المشبوهة التي باتت تسير الحزب.
المهدي مزواري، القيادي الذي لا يُعرف له سجل مهني سوى التنقل بين فضيحة وأخرى، تحول إلى وجه صارخ لهذا الانحدار. فالرجل لا يمتلك أي مؤهلات واضحة، لكنه يجد نفسه في مواقع القرار داخل حزب يزعم الدفاع عن القيم والكفاءة… كيف ذلك؟ لأن المعايير أصبحت رهينة المصالح الشخصية والولاءات العائلية داخل الحزب.
هل هذه هي الكفاءة التي يتغنى بها الحزب؟ مكتب دراسات صوري يجمع بين ابن الكاتب الأول، ابنة مدير الفريق الاشتراكي، والمزواري الذي يدير اللعبة من وراء الكواليس.
ملايين الدراهم صُرفت على دراسات لم يرَ منها الشعب إلا عناوين عريضة وأوراق خاوية. فلماذا لا تُعرض هذه الدراسات على الرأي العام؟ ولماذا يستمر هذا التستر المشبوه إلى حدود اليوم؟
أمام هذا المشهد الكارثي، لا يزال الرأي العام ينتظر توضيحات واعتذارات من لشكر ومحيطه، لكن يبدو أن ثقافة المحاسبة بعيدة عن قاموس الحزب، الذي تحول إلى شركة عائلية تُدار خلف الكواليس. أين ذهبت الملايين؟ لماذا لم يتم فتح تحقيق شفاف يكشف المستفيدين؟ لماذا لم يتم احترام قواعد الشفافية في منح الصفقات؟
إذا كان لشكر ومن معه يعتقدون أنهم قادرون على طمس الحقيقة، فإنهم يرتكبون خطأً قاتلًا. فالشعب لم يعد ساذجًا، والمؤسسات لم تعد صامتة. وزمن الإفلات من العقاب قد ولّى، والتاريخ لن يرحم أولئك الذين خانوا ثقة الشعب واستباحوا أمواله تحت شعارات زائفة.
على إدريس لشكر أن يدرك أن الكراسي التي يجلس عليها ليست ملكًا خاصًا، بل هي أمانة، والتهاون فيها هو سقوط أخلاقي وسياسي مدوٍ. لأن الشعب يريد العدالة، والمؤسسات تطالب بالمحاسبة، ولن يهدأ الرأي العام حتى يرى من تلاعب بمصالحه خلف القضبان، مهما كانت أسماؤهم أو مناصبهم.

شارك هذا المحتوى