الأنباء بوست / حسن المولوع
شهدت مدينة الدار البيضاء اليوم مناسبة بارزة نظمتها صحيفة “زون 24” بمناسبة احتفالها بعيد ميلادها الأول، حيث خصص الحفل لتكريم ثلاثة من رموز الصحافة المغربية الراحلين: الأستاذ خالد الجامعي، والأستاذ خليل الهاشمي الإدريسي، والأستاذ جمال براوي. وجاء هذا التكريم ليكون أكثر من مجرد لحظة عرفان بالجميل، بل محطة للتأمل العميق في مسار الصحافة المغربية والقيم التي أرسى دعائمها هؤلاء الرواد.
الحفل لم يقتصر على الاحتفاء، بل تخلله تنظيم ندوة فكرية بعنوان “المشهد الإعلامي بالمغرب.. أي صحافة نريد؟”، التي ركزت على واقع الصحافة المغربية وتحدياتها في ظل التحولات الرقمية والاجتماعية. وشهدت الندوة مشاركة شخصيات بارزة من الوسط الأكاديمي والمهني، قدّموا من خلالها رؤى معمّقة حول الموضوع.
افتتح الفعالية الأستاذ ياسين الحسناوي، مدير نشر صحيفة “زون 24″، الذي رحب بالحضور وأعطى الانطلاقة الرسمية لأشغال الندوة. وأشاد بأهمية النقاش الذي ستتناوله المناسبة، مشيرًا إلى الجهود الكبيرة المبذولة لإنجاحها، مع التركيز على أدق التفاصيل لضمان تحقيق أهدافها.
افتتح الأستاذ محتات الرقاص، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، مداخلته بالإشادة بالجيل المؤسس للصحافة المغربية الحديثة، مشيرًا إلى دور خالد الجامعي، وخليل الهاشمي الإدريسي، وجمال براوي في إرساء قواعد المهنة. وأعرب الرقاص عن قلقه من حالة التشرذم المهني وغياب الحوار بين التنظيمات الصحافية، مشددًا على ضرورة الوقوف عند أسباب هذا الواقع من خلال نقد ذاتي شامل. كما أكد على أهمية التربية الإعلامية لتحسين وعي المجتمع بالإعلام الجاد والمسؤول، داعيًا إلى مراجعة القوانين المنظمة للصحافة لتواكب التحديات الجديدة مع توفير مرونة أكبر من طرف المجلس الوطني للصحافة في تعامله مع الصحافيين.
من جانبه، تناول الأستاذ سعيد تمام، أستاذ باحث في قانون الإعلام ووسائط الاتصال، السؤال المحوري للندوة بوضوح، موضحًا أن الصحافة المطلوبة هي تلك التي تتسم بالحرية، الصدق، التعددية، والمسؤولية. وانتقد تمام غياب التمييز القانوني بين الصحافي والإعلامي في التشريعات المغربية مقارنة بدول مثل مصر، ودعا إلى محاربة الأخبار الزائفة وخطاب السب والقذف، مؤكدًا أن الصحافة الحقيقية تحقق الغايات المجتمعية من خلال الالتزام بالمهنية.
بدوره، قدم الأستاذ محمد الشمسي، المحامي بهيئة الدار البيضاء، رؤية قانونية دقيقة حول الفرق بين الصحافة والإعلام. وأعرب عن أسفه لتأثير الإعلام البديل الذي وصفه بالقطاع الفوضوي الذي يفتقر إلى الضوابط الأخلاقية والقانونية، مما أدى إلى تراجع مكانة الصحافة المهنية. وأشار إلى أن قانون الصحافة والنشر، رغم كونه خطوة إيجابية، إلا أنه لم يوفر حماية كافية للصحافيين من المتابعات وفق القانون الجنائي، داعيًا إلى تعديل جذري يضمن حرية الصحافة.
وفي خطوة تعكس أهمية الربط بين الماضي والحاضر، شهد الحفل تكريم مجموعة من الصحافيين الشباب تقديرًا لإسهاماتهم في تطوير المشهد الإعلامي المغربي. إذ شمل التكريم أسماء بارزة مثل مرية مكريم، مديرة نشر موقع “فبراير كوم”، وابتسام مشكور، مديرة نشر موقع “سفيركم”، ومحمد بلقاسم، مدير نشر موقع “مدار 21″، والصحافي يونس الخراشي من جريدة “الصحراء المغربية”، والصحافي والمقدم التلفزيوني عبد الله الترابي. فهذا التكريم أبرز أهمية نقل إرث الرواد إلى الجيل الجديد، مع الحفاظ على روح الابتكار والتكيف مع متغيرات العصر.
وشكلت هذه المناسبة فرصة لإعادة التفكير في مسار الصحافة المغربية، وسط دعوات لإحياء القيم الأساسية التي أرساها الرواد، مثل الجرأة، النزاهة، والدفاع عن الحق والحقيقة. كما حملت رسالة واضحة بأن الصحافة الحرة والمسؤولة هي نبض المجتمعات وصوتها الحقيقي، خصوصًا في ظل التحولات الرقمية الكبرى التي تفرض تحديات جديدة على المهنة.
لم يكن هذا الحدث مجرد احتفاء بأسماء عريقة، بل كان محطة للتأمل في مسار الصحافة الوطنية، والبحث في مدى قدرة الأجيال الصاعدة على مواصلة المسيرة، والمحافظة على شرف المهنة وأخلاقياتها.
إن استحضار أمثال خالد الجامعي، المعروف بشجاعته في الدفاع عن القضايا العادلة، وخليل الهاشمي الإدريسي، برؤيته الاستراتيجية في تطوير الإعلام المؤسساتي، وجمال براوي، بإسهاماته الفكرية الراقية، هو بمثابة تذكير بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة سامية تتطلب نزاهة وجرأة.
فهل نحن، الجيل الجديد، ما زلنا على درب هؤلاء الرواد، أم انسلخنا عن قيمهم وتوجهاتهم؟
بهذا السؤال، تنتهي الندوة، لكن يبقى التحدي مفتوحًا أمام كل صحافي وصحافية يرغب في بناء مستقبل يليق بتاريخ الصحافة المغربية وروادها العظام.
شارك هذا المحتوى