
الأنباء بوست
تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في سياق يحمل رمزية خاصة بعد فترة طويلة من البرود الدبلوماسي.
لقد اختار المغرب بوضوح مسار الندية في علاقاته مع فرنسا، مُحملاً رسائل موجهة وصريحة حول قضاياه الأساسية وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية . وهذا البرود لم يكن عفوياً بل رسالة واضحة من المغرب الذي بات يملك أدوات ديبلوماسية وسياسية تمكنه من فرض أجندته الخاصة دون الانسياق خلف ضغوط أو حسابات ضيقة، حتى أصبحت “فرنسا ماكرون” أكثر إدراكاً لما تريده الرباط.
منذ بداية خلافات قانونية وصولاً إلى التعليقات الإعلامية في فرنسا، مروراً بأحداث البرلمان الأوروبي وتصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين، كانت العلاقات تمر بتوترات متتالية. وتوالت هذه الأحداث وساهمت في خلق جو من الحذر بين البلدين، ما أدى إلى تأجيل زيارة الرئيس الفرنسي عدة مرات منذ يناير 2020 حتى مطلع عام 2023. غير أن المغرب بدا في موقف الواثق، حيث استمر في تأكيد ثوابته وسياساته الاستراتيجية، لا سيما ما يتعلق بوحدته الترابية، متخذاً من قضية الصحراء المغربية معياراً في تقييم صدق الصداقات ومتانة الشراكات، كما أشار جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب.
يمكن القول إن هذه الزيارة تؤكد اعترافاً فرنسياً ضمنياً بضرورة مراجعة سياستها تجاه المغرب وفق متطلبات المرحلة، وهو ما يعتبر بحد ذاته انتصاراً دبلوماسياً للمغرب. إذ برهن المغرب على قدرته في التأثير بفضل تنامي موقعه الإقليمي والدولي، و أبدى موقفاً صلباً في تعامله مع فرنسا، التي كانت يوماً الحليف الأقرب. فالسياسة الخارجية المغربية التي ازدادت نضجاً، أثبتت قدرتها على إدارة الملفات الحيوية بمرونة ودبلوماسية فاعلة دون المساس بمبدأ سيادتها.
بات واضحاً أن المغرب يعتمد اليوم على استراتيجية استقلالية في سياسته الخارجية، مبتعداً عن التبعية التقليدية، وهذا أمر يحترمه المراقبون الدوليون. لقد نجح في تسيير دفة علاقاته الدولية عبر تبني شراكات متنوعة تشمل أوروبا وأمريكا وأفريقيا والشرق الأوسط، دون أن يحصر مصالحه في جهة واحدة. وبهذا، أظهر المغرب موقفاً قوياً ومنفتحاً على عديد من الأطراف، مما يتيح له الحفاظ على توازن في علاقاته الدولية، حتى مع قوى عظمى مثل فرنسا.
إذن، ما الذي يحمله المستقبل للعلاقات المغربية الفرنسية بعد هذه الزيارة؟ لا شك أن عودة الدفء بين باريس والرباط تفتح المجال لمرحلة جديدة تقوم على الشراكة والتعاون المتبادل، ولكن على أسس أكثر وضوحاً واحتراماً للسيادة الوطنية. ومن المحتمل أن تتناول المحادثات القادمة العديد من القضايا، مثل التعاون الأمني، والاستثمارات المشتركة، بالإضافة إلى ملف الصحراء المغربية ، الذي أضحى اليوم معياراً أساسياً للعلاقات مع المغرب.
هذه الزيارة تعتبر علامة فارقة في مسار العلاقات المغربية الفرنسية. فهي تؤكد على أن التغيير في دينامية العلاقات لم يأت عبثاً، بل نتيجة لرؤية مغربية جديدة تضع مصلحة الوطن أولاً وتتعامل بندية مع شركائها.

شارك هذا المحتوى