الأنباء بوست / حسن المولوع
في سابقة خطيرة تُسجَّل في تاريخ الصحافة المغربية، أقدم يونس مجاهد، الممثل القانوني للمجلس الوطني للصحافة، على جرّ صحافي إلى القضاء في خطوة تتعارض مع كل الأعراف المهنية وأخلاقيات العمل الصحافي.
الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع بالدار البيضاء ضد الصحافي ياسين الحسناوي، مدير نشر موقع “زون 24″، يكشف عن عمق الأزمة التي تعصف بالمجلس الوطني للصحافة، الذي تحوّل إلى أداة انتقامية تُسخّر سلطتها لتصفية الحسابات الشخصية والمهنية.
إدانة الصحافي الحسناوي بغرامة مالية قدرها 10,000 درهم وتعويضات تصل إلى 600,000 درهم لفائدة المجلس الوطني للصحافة يُظهر انحراف المجلس عن دوره الأساسي في حماية الصحافيين ودعم حرية التعبير. فبدلاً من إحالة الأخطاء المهنية -إن وجدت- إلى لجنة الأخلاقيات، اختار المجلس بقيادة يونس مجاهد تسخير القضاء لتكميم الأفواه وإقصاء الأصوات المعارضة.
هذا القرار لم يكتفِ بتشويه صورة المجلس، بل ورّط أيضًا السلطة القضائية، مما يُثير تساؤلات مشروعة حول استقلاليتها في هذا الملف، خاصة وأن هذا المجلس يتضمن عضوًا ممثلًا عن السلطة القضائية وينتمي إلى المحكمة ذاتها. وهذا ليس تشكيكًا في نزاهة القضاء، ولكنه قد يساهم في خلق تأويلات تؤدي إلى الإساءة إلى هذه السلطة المستقلة.
وتجدر الإشارة إلى أنه ولمدة تتجاوز ست سنوات، يعمل المجلس الوطني للصحافة في ظل غياب شبه كامل للشفافية المالية. إذ لم يقدم أي تقرير حول أوجه صرف الأموال العمومية المخصصة له، متجاهلًا مبادئ المحاسبة. فصفقات الصدريات، الحراسة، والنظافة، بالإضافة إلى كراء المقر والتوظيفات المؤقتة، تُدار جميعها في كنف السرية التامة. أما صفقة منصة طلب وتجديد البطاقة المهنية، فهي تمثل قمة الغموض، حيث لم يُكشف عن هوية الشركة المكلفة، ولا عن التدابير المتخذة لضمان حماية بيانات الصحافيين.
لقد أصبح الشطط في استعمال السلطة النهج السائد في إدارة المجلس، إذ حُرم عدد من الصحافيين من بطاقات الصحافة دون مبررات قانونية، فيما تُركت أسماء مواقعهم محذوفة من النظام المعلوماتي للمنصة. ورغم مطالب النقابة الوطنية للصحافة المغربية بنشر لائحة المستفيدين من هذه البطاقة، يصر المجلس بقيادة مجاهد والبقالي على الصمت المطبق، مما يرسخ فقدان الثقة في مصداقية المؤسسة.
يونس مجاهد، بتحركاته المستفزة، لم يورّط نفسه فقط، بل جرّ معه أعضاء اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر إلى فضيحة تاريخية ستظل وصمة عار على جبينهم. كما دفع بالجسم الصحافي المغربي إلى الانتفاض، مطالبًا بالتغيير والمحاسبة. فهذه السلوكيات لا تُضر بالمجلس وحده، بل تهدد المهنة ككل، وتضع مستقبل الصحافة المغربية على المحك.
إن الوضع الحالي للمجلس الوطني للصحافة يتطلب تدخّلًا عاجلًا من المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة لإجراء تحقيق شامل وشفاف حول مالية المجلس وأدائه الإداري. فالمال العام ليس ملكًا لفئة محدودة، ومن حق أي صحافي أن ينتقد الوضع السائد، وحرية الصحافة ليست شعارًا يمكن تزييفه. والمحاسبة هي المدخل الوحيد لاستعادة الثقة وحماية حقوق الصحافيين.
ما يقوم به يونس مجاهد ومن معه هو جريمة مزدوجة في حق الصحافة المغربية والمجتمع ككل. ومن هنا، يبقى السؤال الملح: هل سيظل الجسم الصحافي صامتًا أمام هذه الانتهاكات، أم أن ساعة الحساب قد دقّت؟
شارك هذا المحتوى