الأنباء بوست/ حسن المولوع
في مشهد كوميدي مأساوي لن تمحوه ذاكرة وكالة المغرب العربي للأنباء، انهار أحد “المتسلطين” المزعومين مغشياً عليه في مكتبه، ما استدعى حضور سيارة إسعاف وسط حالة من الدهشة والتهكم بين الصحافيين والصحافيات وكل العاملين والعاملات في الوكالة.
وعلى الرغم من أن الإنسانية تقتضي التعاطف في مثل هذه المواقف، إلا أن النظرات المتبادلة بين العاملين كانت تحمل ضحكات خفية ورسائل واضحة: “وأخيراً، سقط الطاغية الذي خنق مديرية وسائل الإعلام بغروره وعجرفته الفارغة.”
هذا المسؤول، الذي كانت خطواته الثقيلة تكاد تُسمع حتى في الطوابق العليا، لم يكن مجرد مدير؛ بل كان أقرب إلى “متسلط بلاط” يجمع حوله حاشية من المتعاقدين والمتعاقدات عديمي الكفاءة، في مشهد يُعيد للأذهان أيام السلاطين الغابرين. فمكتبه في مديرية وسائل الإعلام كان أشبه بـ”حرملك” حديث، حيث تتزاحم الصحافيات وكأنهن في سباق محموم لخدمته، حتى إن إحدى الصحافيات كانت تتولى إعداد القهوة له، بدلاً من تقديم محتوى مهني يُذكر.
مهنياً، كان هذا “المتسلط المزعوم” نموذجاً صارخاً للفشل الإداري والإعلامي. فبفضل “عبقريته الفذة”، انحدرت قناة M24 وإذاعة ريم راديو إلى مستويات غير مسبوقة من الرداءة. لا إنتاج، لا مهنية، ولا حتى أدنى مظاهر الاحتراف. فتحولت هاتان الدعامتان التابعتان لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى مسرح عبثي تديره نزوات شخصية وقرارات مرتجلة. إذ كان هذا المسؤول أقرب إلى “عدو للميكروفون”؛ فلا هو يفهم لغة الإعلام السمعي البصري، ولا هو أهل للقيادة، ما جعله مثالاً حياً للعشوائية وسوء التدبير.
ومن أبرز علامات فشله التي لا تخطئها العين، استقطابه مجموعة من المتعاقدين والمتعاقدات الذين لا علاقة لهم بالمجال الإعلامي. وأحد الأمثلة الصارخة على ذلك فتاة ملالية التحقت بالوكالة رغم افتقارها لأبسط المؤهلات، لدرجة أنها أخفقت مؤخراً في اجتياز مباراة وُصفت بـ”السهلة للغاية.” هذه المتعاقدة، التي لا صوت لها ولا قلم يُذكر، أضافت رقماً جديداً إلى قائمة الإخفاقات التي أثقلت كاهل الوكالة.
أما المشهد الدرامي لانهياره، فقد ربطه الحاضرون بخبر مفاجئ عن اقتراب موعد عزله وربما محاسبته. فالطاولة التي طالما استعرض عليها عضلاته الإدارية أصبحت على وشك الانقلاب عليه. والشكايات المرفوعة إلى المجلس الأعلى للحسابات ومجالس الحكامة بدأت تطرق أبواب التحقيق، مطالبة بافتحاص مالية الوكالة والبحث في طرق تدبيرها المثيرة للجدل. ولعل شظايا التحقيق ستطال هذا المتسلط أيضاً.
هذا السقوط، الذي بدأ مادياً بمعنى الكلمة، كان في جوهره سقوطاً معنوياً مدوياً. إنه درس بليغ لكل من يتصور أن السلطة والغرور يحصنانه من المساءلة. فكما يقول المثل : “الله يمهل ولا يهمل.”
الموظفون في الوكالة، وفق مصادر مطلعة، يعيشون حالياً لحظات احتفالية صامتة. لقد انتهى زمن “المتسلط المزعوم” الذي كان لا يرى في نفسه سوى وهم العظمة في مديرية وسائل الإعلام، وبدأت ملامح حقبة جديدة قد تحمل للوكالة الأمل في استعادة بعض من بريقها المفقود. ولعل فؤاد عارف، المدير العام للوكالة، قد فطن متأخراً أن هذه المديرية هي سبب المشاكل وعدم ظهور أي إنجاز من إنجازاته. ولا ينبغي نسيان عجرفة رئيسة مصلحة الإنتاج في ريم راديو وتفاهة رئيس القسم في الإذاعة ذاتها، الذي يترقب مصيره بقلق، خاصة بعد استقالة زميله الذي يحمل نفس العقد. وإن تم إنهاء عقده، فلن يجد منبراً يقبل به، لأنه ببساطة، “فاقد الشيء لا يعطيه.”
شارك هذا المحتوى