الأنباء بوست / حسن المولوع
لا أحد ينكر أن جائحة كورونا وما خلفته من أزمات كان سببا من بين أسباب موت الصحافة الورقية في العديد من دول العالم ، لكن في مغرب الاستثناءات انضاف عنصر آخر أدى إلى قتل المقاولات الصحفية التي تصدر عنها الصحف الورقية ، يتعلق الأمر هنا بالترهيب والضغط الذي باتت تمارسه أحد التنظيمات النقابية على أصحاب المقاولات الصحفية ، الذين أصبحوا يفضلون اغلاق تلك المنابر التي يديرونها ، بدل النزول إلى طاولة الحوار وتسوية أوضاع العاملين والعاملات بها ، من صحافيين وصحافيات وتقنيين وتقنيات وإداريين وإداريات .
لم يستطع اصحاب بعض المقاولات الاستمرار في الاستثمار الاعلامي ، مفضلين الفرار من سطوة الترهيب الممارس عليهم والتشكيك في ذمتهم المالية ، عبر استغلال بشع للصحافيين والصحافيات من أجل تنظيم وقفات احتجاجية ليست في إطار اسماع صوت المحتجين لايجاد حلول ناجعة وعملية ، ولكن بهدف القتل الرمزي للمنبر الاعلامي ، فلا الصحافيون والصحافيات يجدون حلا لأوضاعهم ، ولا صاحب المقاولة تصبح لديه الرغبة في التضحية والاستمرار ، ليصبح الضحية هنا هم العمال والعاملات بمختلف تخصصاتهم، والذين يصطدمون بشبح التشرد ، ويكتشفوا بعد ذلك أن التنظيم النقابي استعملهم كحطب لإشعال نار تصفية الحسابات ، بعضها مرتبط بما هو سياسي وحزبي، والآخر نفسي في إطار تصريف الأحقاد .
لقد أصبح الابتزاز النقابي عملة رائجة في السنوات الأخيرة ، وسيفا مسلطا على رقاب اصحاب المقاولات الصحفية “الباطرونا ” ،الذين اصبحوا يفضلون الاغلاق والاستثمار في مجالات أخرى خشية عن سمعتهم ، واتهامهم بالسطو على الدعم الذي تخصصه الدولة للمقاولات الصحفية ، دون وجود ما يثبت صحة المزاعم التي ترفع كشعارات ، وكأن هذه البلاد ليست بلاد المؤسسات ، وليس فيها افتحاص مالي ولا مجلس أعلى للحسابات ، وبدل أن نرى في العمل النقابي وسيلة للنهوض بالقطاع وتسوية أوضاع العاملين به ، ها نحن نشهد اليوم أن بعض التنظيمات النقابية ، تعمد إلى جعله وسيلة للقتل الرمزي للمقاولات الصحفية ، وترهيب من لهم رغبة في الاستثمار الاعلامي مستقبلا ، والنتيجة هي اننا أصبحنا نشهد سنويا اعدادا كثيرة من العاطلين والعاطلات عن العمل من الصحافيين والصحافيات الذين يتخرجون سنويا من معاهد الصحافة ، إذن ، النتيجة سلبية ، فلا وجود لتسوية أوضاع القدامى الذين يواجهون شبح التشرد ، ولا وجود لتشجيع مستثمرين آخرين لفتح مقاولات صحفية لضمان فرص شغل للمتخرجين الجدد ، وذلك خشية من أن يفتحوها وبعد ذلك يكتشفون أنهم أصبحوا هدفا من بين أهداف الابتزاز النقابي .
الملاحظ أن الوقفات الاحتجاجية التي أصبحت تنظم ضد أصحاب المقاولات الصحفية ، نجد أن أغلبية المحتجين من صحافيين وصحافيات ينتمون لمنبر واحد ، وكأن هذا المنبر أصبح وحده نقابة قائمة بذاتها ، لنراه هنا وهناك ، في هذه الوقفة وتلك ، الشيء الذي يعطي الانطباع أن صاحب المنبر الاعلامي يسخر صحافييه وصحافياته للقيام بهذا الفعل الاحتجاجي تحت غطاء العمل النقابي ، من أجل وأد الصحف الورقية المستقلة ، ليبقى منبره هو الوحيد في الساحة( انا بوحدي مضوي لبلاد) ، وبطبيعة الحال فصاحب هذا المنبر لا يمكن أن ينزل الى هذا المستوى من التنافس ولكن الفعل المتكرر بات يرسم هذا الانطباع لدى العديد من الملاحظين ، علما أن هؤلاء لا تجدهم ينظمون وقفات احتجاجية ضد المقاولات الصحافية التابعة للأحزاب السياسية ، كالاتحاد الاشتراكي ، والبيان ، والعلم ، والحركة ، ورسالة الأمة ، والغائبة او المتغيبة المنعطف …الخ
لقد حان الوقت لفتح نقاش جدي في هذا الموضوع ، ووقف هذه السلوكات التي تعتبر مهزلة السنوات الأخيرة ، فالمقاولات الصحافية تُقتل ، والصحافيون والصحافيات يتم تشريدهم بعدما تضيع حقوقهم ، ولا أحد من المستثمرين أصبح يجازف بامواله لأنه يعلم بأنه سيتعرض للابتزاز النقابي بمنطق تصفية الحسابات ، لقد حان الوقت لوقف ذلك ، وعقد المناظرة الوطنية للإعلام ، من أجل إيجاد حلول لقطاع خطفته أيادي الظلام وأضحى في غرفة الإنعاش .
شارك هذا المحتوى